- ℃ 11 تركيا
- 26 ديسمبر 2024
أمير تاج السر يكتب: سؤال الحرب والكتابة
أمير تاج السر يكتب: سؤال الحرب والكتابة
- 1 أكتوبر 2023, 1:32:55 م
- 277
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
من الأسئلة التي تتكرر عندي كثيرا هذه الأيام، كلما التقيت عددا من المهتمين بالأدب عموما، ويعرفون ما يجري في السودان من مأساة كبرى، لا يبدو أنها في الطريق إلى الانتهاء، سؤال عن أهمية الحروب في الإنتاج الأدبي، وما الذي يمكن توقعه من أدب قد ينتج في السودان، في الأيام أو السنوات المقبلة، خاصة أن السودان كان منتجا لأدب يهتم في الغالب بالميثولوجيا الأفريقية، والأساطير التي تدور هنا وهناك، ويرصد حياة مجتمع قد يكون فقيرا، لكن يتمتع بحب الحياة.
في الحقيقة الحروب ليست بدعة تم استحداثها في هذا الزمان، إنها موجودة منذ وجد الإنسان، ووجد الرزق البسيط، والسلطة التي أعتبرها المحرك الرئيسي للحروب في كل مكان. الكل ينظر للسلطوي نظرة مختلفة، قطعا يمثل الخوف جزءا كبيرا منها، والذي يجلس على كرسي السلطة في بلاد مثل بلادنا، يود لو يظل هكذا حتى آخر يوم في حياته، أو حتى ينتقل معه الكرسي المعنوي إلى قبره، أي أن يظل يحكم من داخل القبر.
شخصيا لا أعتبر المزايا التي يحصل عليها الديكتاتور، مزايا بأي حال من الأحوال، ما معنى أن يأمر وينهي؟
ما معنى أن يمتلك أطنانا من الذهب؟
وما معنى أن يعيش ونومه متقطع، توقظه حتى بعوضة قد تطن في أذنه، إنها في الحقيقة حياة معذبة، حياة مسهدة، لا تشبه الحيوات الأخرى التي يعيشها أناس عاديون حتى لو عانوا من شظف العيش. هؤلاء يمكن أن يناموا في الشارع من دون أن يلفت نومهم العميق أحدا.
وكنت أقرأ في كتاب «سن النار» تأليف الإنكليزي هنري سيسل جاكسون الذي عمل في الخدمة المدنية في السودان أيام الاستعمار البريطاني، ونقله للعربية الحاج سالم، إنه كتاب شيق عن تاريخ سلطنة الفونج، أو ملوك سنار، الذين حكموا البلاد ردحا من الزمان، قبل أن تتغير الأمور.
الكتاب مليء بقصص السلاطين، سواء إن حكموا أياما فقط، أو سنوات طويلة، ونجد في معظمها نزوع للحرب مع ممالك الجوار، أو الحبشة التي كانت ذات سطوة في ذلك الزمان، ويحاول حكامها باستمرار، إخضاع سلطنة سنار، وفرض الوصاية عليها، وإن لم يحدث ذلك نجد سلطنة سنار هي من يتحرش بهم.
حقيقة لم تكن المزايا كثيرة في ذلك الوقت، والثروات التي يتحاربون من أجلها لا تخرج عن أراض للرعي أو الزراعة، وشيء من السيوف والدروع، وربما عبيد ونساء يحولن إلى جواري، وهكذا، عشرات السلاطين تعاقبوا على حكم سنار، ودائما الحرب، والدسائس والموت، أو النزع من الحكم.
ويذكر الكتاب أن عددا من السلاطين كانوا أتقياء، وكانوا يقربون رجال الدين منهم، ويقيمون الخلاوي لحفظ القرآن، وبالرغم من ذلك، لا بد من تلك الأدوات الخشنة: استخدام السلطة، والحروب.
إذن نحن لم نكن أنقياء من العنف أبدا، والذين يتحدثون عن الشخصية السودانية، يصفونها دائما بأنها شخصية مسالمة، وأقول نعم مسالمة، لكن في وقت ما، والأغلب أن العنف موجود ويحتاج إلى محرك فقط ليشتعل ويشعل كل ما حوله.
أعود لمسألة أدب ما بعد الحرب في السودان، وأسأل بدوري، هل هناك تغيير في الفكرة نفسها؟ الفكرة التي بموجبها اشتعلت حروب بادي أبو دقن، ملك سنار، والحكام الجدد، لنحصل على أدب جديد تماما؟
لا طبعا، الفكرة لم تتغير، ولن تتغير، ما تغير هو الزمان فقط، أي أن الحرب في سلطة اليوم، تحدث للحصول على مزايا جديدة، ومتشعبة يمكن أن تسمى أطماع بلا تردد.
الشعوب هي الخاسرة أبدا، وهي من سيستنفر لإعادة التعمير إن حدث وتوقفت الحرب، وهي من سيهتف بعودة المنتصرين، إن انتصر أحد، وذم الخاسرين حين يخسر أحد، ماذا يكسب عامل من عمال اليومية، توقف رزقه بسبب عسكرة المدينة، وأزيز الرصاص، وصراخ المدفعية الثقيلة؟ وماذا يكسب واحد أفنى عمره في بناء بيت وتأسيسه، وجاء من يغتصبه، أو يأخذ كل ما فيه؟ بل حتى ماذا يكسب عسكري قد لا يكون يحصل على راتبه بصورة منتظمة، حين يموت، ويكتب على قبره: الشهيد البطل؟
الأدب لن يقول شيئا جديدا، هي الحرب الغبية التي تحصد ما تحصد، تقضي على الأخضر واليابس، والأخضر هنا قد يكون معنويا، أي مجرد وجود الإنسان في بيته، آمنا مع قليل من الرزق، يعتبر أخضر.
الأدب الجديد، سيكتب الفكرة نفسها، قد تكون في شكل يوميات عسكري مقاتل، أو مواطن نازح أو مقيم في بيته برغم الأهوال، أو بلسان ذلك التاجر البسيط الذي وجد دكانه رمادا، حيث آذته قذيفة عمياء لا يعرف لمن كانت موجهة؟
وعند الكتاب الأكثر استخداما للخيال، يمكن حتى كتابة رواية بلسان قذيفة لم تنفجر وظلت تراقب الحرب، والهلع في وجوه الناس، وتسجل ما يقوله الرصاص حين يغتال البراءة والأمان.
وشخصيا لو كتبت نصا في هذا الشأن، سيكون ممزوجا بالحنين، ذلك الذي يتملكني كل يوم، حين أجلس وحيدا، أتذكر الدروب التي مشيت فيها، والمكان الذي كان فيه حبي الأول، وقصيدة: العشرة، أول قصيدة كتبتها وأنا أقود دراجتي الهوائية من المدرسة إلى البيت. سأتذكر جيراني، وأصدقائي، وحتى الذين رحلوا منهم. ويظل ما بقي من الحكاية، هو المقاطع المتكررة عن سلوك الإنسان حين يتسلط، وكيف يقهر أخاه الإنسان.
*كاتب من السودان