أمجد إسماعيل الآغا يكتب: "مفترق طرق" العلاقات السورية التركية والعامل الإيراني

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 21 يوليو 2024, 1:42:16 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هُيئ للكثيرين بأن البيانات الإيجابية التي صدرت عن تركيا وسورية، لجهة الرغبات بإعادة العلاقات بينهما، بأنها ستكون كفيلة للتأسيس لـ مشهد يجمع أردوغان والأسد، ويطوي صفحة أربعة عشر عاماً من تعقيدات وتشابكات أثرت ولا تزال في جغرافية الشمال السوري أولاً، وتالياً في سياق العلاقات السورية التركية، فـ البيانات وإن كانت بمحتوى إيجابي، إلا أنها لا تُعبد الطريق الوعر الذي يسير عليه الحوار السوري التركي، كما أن الدبلوماسية وهندسة عبارات لائقة، لن تُعالج أزمة بحجم أزمة العلاقات السورية التركية، لا سيما أن معالجة أزمة بهذا العمق والتشابك، ستحتاج فترة طويلة للعمل قبل أن يبدأ حصاد النتائج، حتى وإن تمكن أردوغان من تجاهل وصف الأسد له بـ "الأزعر"، وبادر إلى التعبير عن رغبته بـ لقاء "السيد الأسد"، إلا أن الرهان على تحقيق تحولات سريعة في سياق العلاقات التركية السورية محفوف بالمخاطر، خاصة عند النظر إلى مصالح القوى الإقليمية في الملف السوري وتحديداً إيران، التي تُعد صاحبة التأثير الأكبر في أي مسار مرتبط بالملف السوري.

ما يحكم عودة العلاقات السورية التركية عوامل عدة تتجاوز التصريحات الإيجابية لـ رئيسي البلدين، فـ الحوار على مستوى الرؤساء قد لا يتم قريباً، كما أن اللقاءات بمستواها الدبلوماسي لن تصمد طويلاً، لا سيما أن الطريق الذي تسير عليه مسدوداً جراء التشابكات في الملف السوري عموماً وجغرافية الشمال السوري على وجه الخصوص. نتيجة لذلك فإن الواقعية تقتضي قبل كل شيء تخفيض سقف الرهانات من جميع الأطراف، ولا سيما تركيا التي تُفرط في التفاؤل في تطوير سريع لمستوى اللقاءات مع دمشق، وكذلك الأخيرة الذي ترفع سقف تطلعاتها من الحوار، وأيضاً الوسيط الروسي الذي لا يبدو أنه يمتلك التأثير الكافي على دمشق لإقناعها بتقديم مطالب واقعية يمكن تلبيتها.

بهذا المعنى فإنه في بداية أي مفاوضات، تلجأ أطرافها إلى رفع الشروط والشروط المضادة. مع ذلك، فإن مسارعة أردوغان لـ  توضيح رغباته بعودة العلاقات مع الأسد، في مقابل توضيحات الأسد أن اللقاء قبل أن يتم ينبغي تحديد أهدافه ومساراته. فإن ذلك يُشير إلى الصعوبات التي تواجه عملية ترميم أرضية الثقة للبناء عليها، والمُضي في مسار إعادة العلاقات، لكن تلك الأرضية اللازمة لـ بناء علاقات سورية تركية قوية، تُهددها عوامل إيرانية وأمريكية كثيرة، الأمر الذي ترجمه أردوغان من خلال تصريحاته حين قال "على الولايات المتحدة و إيران أن تكونا سعيدتين بهذه التطورات الإيجابية وتدعما العملية الرامية إلى إنهاء كل المعاناة في سوريا".

إبان المبادرة العربية تُجاه دمشق، توضحت حقيقة الموقف الإيراني المعقد حيال التوصل إلى حل للأزمة السورية. المبادرة العربية نظرت إليها إيران، على أنها تهديد حقيقي لـ وجودها العسكري في سورية، حيث إن إحدى النقاط الرئيسية في المبادرة العربية هي الدعوة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا، واتخاذ إجراءات للحد من تأثير الفصائل المدعومة من إيران، وبهذا فإن إيران أعتبرت أن المبادرة العربية تُمثل تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية ومحاولة لعزلها وتقليل نفوذها في المنطقة، وبالتالي لا شك أنه كان لـ إيران تأثيراً كبيراً في فشل هذه المبادرة التي لم تحقق أي من أهدافها، ونتج عنها أيضاً توترات جديدة بين دمشق والدول العربية، وظهرت بشكل جلي في القمة العربية الأخيرة حيث لم يُسمح لـ الرئيس السوري بشار الأسد بإلقاء كلمة في القمة.

من الواضح أن عودة العلاقات الخليجية العربية مع دمشق، وضعتها إيران في إطار رغبات دمشق بالخروج من العباءة الإيرانية والعودة إلى المحافل الدولية، وذلك بمساعدة الحليف الروسي، كما أن الأخير يلعب حالياً دوراً كبيراً في محاولة عودة العلاقات بين الأسد وأردوغان؛ في المقابل فإن إيران وربطاً بـ طبيعة دورها في سورية، فقد استطاعت جُزئياً عرقلة المبادرة العربية، والضغط على دمشق في العديد من الملفات لا سيما الملف الإقتصادي، ولعل ما كشفته وسائل الإعلام الإيرانية، عن بنود اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي بين طهران ودمشق سابقة ونوع من "الضغوط" على سوريا، كي لا تمضي بعيداً عن نطاق النفوذ الإيراني، إذ يعود للواجهة ملف الديون الإيرانية المستحقة على دمشق بين الحين والآخر، بالضغط لتنفيذ الاتفاقيات والخطط الاستثمارية بين البلدين، كضمان لسداد سوريا ديوناً تبلغ نحو 50 مليار دولار في القطاع المدني، بـ حسب تقارير إيرانية.

في ذات السياق، فإن مصادر عديدة أكدت إنّ "تلويح" إيران بورقة الديون تزامن مع حمى التصريحات التركية المتعلقة بمسار التقارب بين أنقرة ودمشق، وكذلك اللقاء المحتمل بين "الأسد" و"أردوغان"، والجهود الروسية "المبذولة" في هذا الخصوص، كما أشارت المصادر إلى أنّ كشف الطرف الإيراني عن حجم الديون والمدة الزمنية للاتفاقية المحددة بعشرين عام لسدادها، يعكس بعضاً من ملامح مطالب إيران، بمعنى حصتها في حال تمّ الجلوس إلى طاولة التفاوض متعددة الأطراف، للوصول إلى مخارج للملف السوري.

جُملة ما سبق. على الرغم من أن طهران أبدت سعادتها حيال الحوار السوري التركي، لكن لـ إيران رؤية تدفعها لـ عرقلة هذا الحوار، أو على الأقل ضمان أن لا تؤثر عودة العلاقات السورية التركية على مصالحها في سورية، من هنا لا يمكن إغفال العامل الإيراني المؤثر حيال إعادة العلاقات السورية التركية، وبطبيعة الحال ستستمر اللقاءات السورية التركية بطابعها الأمني، لكن في المقابل فإنه من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالح إيران في سوريا، فأنها ستتحول إلى لاعب مؤثر ومُعطل لـ مسار التقارب بين أنقرة ودمشق.

واقعاً فإن طهران ليست حليف عسكري لـ دمشق فحسب، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الأمني والاقتصادي والسياسي وحتى الإجتماعي في سورية، الأمر الذي يجعل إيران شريكة في منظومة اتخاذ القرار. بهذا المعنى فإن دمشق ليس لديها الرفاهية للتخلي عن الحليف الإيراني، الذي استثمر كثيراً في الجغرافية السورية، ولا يزال.

كلمات دليلية
التعليقات (0)