- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
أطفال مصر... الأكثر ضعفاً إلى العمل
أطفال مصر... الأكثر ضعفاً إلى العمل
- 12 يونيو 2022, 5:12:16 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يمر اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال في يونيو/ حزيران في وقت يقضي محمد البالغ 13 عاماً ساعات طويلة، سواء في النهار أو الليل، في تلبية طلبات سكان المبنى السكني الذي يعمل والده حارساً فيه.
يضم المبنى متعدد الطوابق عشرات من الوحدات والشقق والمكاتب الإدارية والتجارية، وبمجرد ظهور ضيف جديد يرغب في الصعود إلى إحدى هذه الوحدات يسرع محمد في جلب مجموعة المفاتيح المخصصة لتشغيل المصاعد كي يرافق هذا الضيف إلى أعلى.
حتى في أيام الدراسة، يواصل محمد مساعدة والده ووالدته في تلبية طلبات السكان، واصطحاب الضيوف إلى أبواب الوحدات التي يرغبون في الوصول إليها، كما ينظف السلالم ومدخل المبنى أسبوعياً.
قبل عدة أشهر، رافق محمد والده حين غادر مسقط رأسه في قرية بمحافظة سوهاج بصعيد مصر، لشغل وظيفة حارس عقار في أحد أحياء القاهرة. ولا يعرف محمد القراءة والكتابة رغم أنه في الصف الأول الإعدادي.
تقول والدته إن التعليم في القرية التي جاؤوا منها "رديء للغاية، إذ لا يشرح المعلمون شيئاً في الصفوف، وتنتشر ظاهرة الغش في الامتحانات، فيجتاز محمد وآخرون السنوات الدراسية واحدة تلو أخرى بلا تحصيل أي إفادة تذكر من التعليم".
وعمل الطفل محمد سنوات في الزراعة بمحافظة سوهاج، من أجل مساعدة والده في تلبية احتياجات البيت من طعام. وعندما انتقلت العائلة إلى القاهرة، وجد في تلبية طلبات سكان العقار عملاً يكسب منه جنيهات معدودة يتركها سكان المبنى لدى دفع الحساب.
وفي القاهرة، لم يستطع الوالد إلحاق ابنه محمد مجدداً بمدرسة في محيط المنطقة السكنية التي يعمل فيها حارساً، وبات يفكر جدياً في إخراجه من التعليم بحجة أنه غير قادر على نقله إلى مدرسة جديدة بعد الانتقال من سوهاج إلى القاهرة، وأن الطفل نفسه لا يتعلم، بدليل أنه وصل إلى صف دراسي متقدم من دون أن يعرف القراءة والكتابة.
وبينما يحاول سكان العقار المساعدة في إلحاقه بمدرسة قريبة، يبقى الطفل محمد غارقاً في دوامته اليومية التي لا يمارس فيها أي نوع من طفولته، وشاهداً على بعض ملامح طفولة أبناء سكان العقار الذين يخرجون مع آبائهم، وهم يحملون ألعاباً وبالونات وهدايا، ويطلبون وجبات سريعة في شكل متكرر.
يعمل في تأجير أحصنة بالجيزة (جيف ميتشل/ Getty)
مسح قومي قديم
ترى منظمة الأمم المتحدة أن القضاء على عمالة الأطفال يتطلب نهجاً وسياسات فعّالة لتعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية والتعليم وفرص العمل اللائق للآباء ومقدمي الرعاية من أجل معالجة الظروف التي تدفع إلى عمالة الأطفال، وهو ما لا يتوفر في مصر حيث يعتبر تدني المستوى المعيشي للأسر لا سيما في المناطق الريفية، وارتفاع مستوى الفقر في المناطق ذاتها سببين رئيسيين لعمالة الأطفال، بحسب إحصاءات لمنظمة العمل الدولية تشير إلى أن المناطق الريفية تحتضن نسبة 70 في المائة من إجمالي عدد الأطفال العاملين في البلاد.
واللافت أن المسح القومي الأخير الذي أجري لعمالة الأطفال في مصر يعود إلى عام 2010، ونفذه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالتعاون مع البرنامج الدولي للقضاء على عمالة الأطفال، وكشف حينها وجود 1.6 مليون طفل عامل، أي ما يوازي 9.3 في المائة من أطفال البلاد، ما عادل طفلاً من بين كل عشرة. وأشار إلى أن 82.2 في المائة منهم يواجهون ظروف عمل سيئة وغير آمنة.
وحلل المسح القديم الذي يمثل خير دليل على تعامل الأنظمة المصرية مع الظاهرة، إلى وجود علاقة بين عمر الطفل وتعرضه لظروف عمل سيئة، فكلما زاد عمره زادت المعاملة غير اللائقة. وأفاد حينها بأن 83 في المائة من الأطفال الذكور العاملين الذي تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً يتعرضون لظروف عمل سيئة، وبأن النسبة تصل إلى 89 في المائة للفئة العمرية بين 15 و17 عاماً، و93 في المائة بين إناث الفئة العمرية نفسها.
وعلى غرار الوضع العالمي، يعتبر معدل عمل الأطفال في مصر أعلى بكثير في المناطق الريفية، خاصة في الوجه البحري والمحافظات الريفية الواقعة على الحدود. ويمثل قطاع الزراعة أعلى القطاعات استقطاباً لعمالة الأطفال بنسبة 63 في المائة، أما قطاع التعدين والتشييد والصناعات التحويلية فيضم 18.9 في المائة من إجمالي عمالة الأطفال، وقطاع الخدمات 17.6 في المائة.
يشارك صغيران في تحضير مأكولات للبيع (كارستن كوال/ Getty)
أخطار
ويحرم العمل المبكر الأطفال من التعليم وتكوين شخصيتهم في شكل مثالي، ويقود إلى ظواهر اجتماعية ذات أخطار أكبر من الفقر والحرمان والتفكك الأسري، فاعتماد الأسرة على أعضائها الأصغر سناً دون اعتبار لمصيرهم أو مستقبلهم يعرضهم لشتى الأخطار الجسدية والأخلاقية، مثل الفساد والانحراف.
ويمكن أن تقود عمالة الأطفال إلى نمو الجريمة وتهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالأعضاء البشرية قبل وبعد بلوغ هؤلاء الأطفال سن الرشد، استناداً إلى تعريف عمل الأطفال بأنه "يضع أعباءً ثقيلة على الأطفال، ويهدد سلامتهم وصحتهم ورفاهيتهم، ويستفيد من ضعف الأطفال وعدم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم. كما أنه يستغل عمل الأطفال كبديل رخيص لعمل الكبار، ويعيق تعليمهم وتدريبهم، ويغير حياتهم ومستقبلهم".
وتتحدث منظمة العمل الدولية عن أن التقدم العالمي في مجال مكافحة عمالة الأطفال تراجع عام 2020، بعد عقدين من التحرك في الاتجاه الصحيح، وذلك بسبب جائحة فيروس كورونا الجديد، حيث دفعت الأزمة ملايين الأطفال إلى سوق العمل.
وتكشف أحدث الأرقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية أن 160 مليون طفل، أي نحو واحد من كل عشرة أطفال في أنحاء العالم لا يزالون يعانون من عمالة الأطفال، والأكثر تأثراً هم أولئك الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و11 عاماً.
وعالمياً، يبلغ الإنفاق الوطني على الحماية الاجتماعية للأطفال 1.1 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وفي أفريقيا التي تضم أعلى معدل لانتشار عمالة الأطفال، ينفق ما يعادل 0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الحماية الاجتماعية للأطفال.