- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
د أشرف الصباغ يكتب : رحل ميكيس الذي "ارقَصَ" زوربا
د أشرف الصباغ يكتب : رحل ميكيس الذي "ارقَصَ" زوربا
- 3 سبتمبر 2021, 5:28:00 م
- 2235
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
رحل المؤلف الموسيقي اليوناني والمثقف العضوي الحقيقي ميكاليس ثيودوراكيس عن 96 عاما (1925- 2021)، أهدى خلالها البشرية عشرات الأعمال الموسيقية بين سيمفونيات ومقدمات موسيقية لأعمال فنية، وأغاني، وأعمال أوبرالية، وموسيقى لأفلام حصلت على الأوسكار، ودخلت تاريخ السينما من أوسع أبوابه. إضافة إلى تأليفه العديد من الكتب.
وهو صاحب موسيقى فيلم "زوربا"، وفيلم "زد" مع المخرج كوستا جافاراس، إنتاج عام 1969 عن حادث اغتيال الناشط اليساري اليوناني جريجوريس لامبراكيس، والذي حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.
ولم يتوقف تعاون ميكيس مع جافاراس، بل امتد ليشمل أيضا فيلم "حالة حصار" إنتاج عام 1972، وهو فيلم سياسي يتسم بالكثير من الأهمية والدلالات حيث دارت أحداثه في أمريكا اللاتينية.
تأرجحت حياة المثقف الشيوعي اليوناني ميكيس بين شغل منصب الوزير إلى شغل مقعد في البرلمان إلى دخول السجن لأسباب سياسية وبسبب مواقف حادة وصارمة تتعلق بالضمير والإنسان وبقيم العدل والجمال. وبين هذا وذاك ترك لنا سيرة صاخبة وحافلة بالأعمال الفنية الرفيعة التي تحمل القيم الإنسانية العامة وتنقلها بين البشر من دون أي حواجز.
كان ميكيس منفتحا بشكل غير عادي على العالم، وعلى العمل مع زملائه في أوروبا والولايات المتحدة من أجل فن إنساني يتسم بالنزوع نحو الجمال والإنسانية. فتعاون مع المخرج سيدني لوميت في فيلم (سيربيكو Serpico) عام 1973 بطولة آل باتشينو عن فساد السلطة وتغير المواقف.
وعلى الرغم من كل هذا الثراء والعطاء كان مثل مثقفين وفنانين ومبدعين كثيرين لم يلموا بكل الحقائق، وعانوا في بعض مواقفهم من العمى السياسي والأيديولوجي عندما لم يستطع النظر بعينيه الاثنتين إلى وضع العراق الذي تم تدميره بسبب قمع واستبداد صدام حسين وعصابته البعثية وبين تسلط واستبداد وعدوانية السياسة الأمريكية في عام 2003، فنظر فقط إلى إمبريالية الغرب، متغاضيا عن الفساد والقمع والاستبداد في العراق. وفعل نفس الأمر عندما هاجمت مقاتلات حلف الناتو يوغسلافيا عام 1999، حيث أعلن موقفه المعادي لتصرفات الحلف الهمجية، لكنه تغاضى في الوقت نفسه عن جرائم ميلوشيفيتش وممارسات الإبادة العرقية، وهي جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.
ربما كان انهيار الاتحاد السوفيتي وفشل التجربة في روسيا، والتي استغلها القوميون الروس لاحتلال الدول الأخرى وقمع شعوبها تحت شعارات إنسانية عامة وتحت لواء العدالة الاجتماعية، قد ترك أثره عليه، فأصابه بذلك العمى السياسي والأيديولوجي ذي النظرة الأحادية. لكن هذا العمى ليس وصمة أو سبة، وإنما هو ظاهرة مؤقتة، عانى منها الكثير من المبدعين العظام من أمثال مايكوفسكي ومكسيم جوركي، وفي مصر عانى منها الشاعران عبد الرحمن الأبنودي وأحمد نجم والكاتب يوسف إدريس. غير أن كل هؤلاء وغيرهم في الدول الاستبدادية تركوا لنا ميراثا إبداعيا وإنسانيا هائلا. ولا يمكن أن نحاسبهم على جنوحهم نحو الإنسانية والضمير وإعلاء قيم المحبة والتسامح والجمال، بينما تسعى السلطات الاستبدادية والأنظمة السياسية القمعية إلى استغلالهم، فتخدعهم تارة بشعاراتها التي يثقون فيها لبعض الوقت إلى أن تقع الكوارث، وتجبرهم تارة أخرى بالعنف والتهديدات لتحولهم إلى دمى في أيديها الملوثة دوما بالدماء...