- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
أستاذ الإعلام د. محمد المرسي : القنوات الإقليمية والبث الفضائي !!
أستاذ الإعلام د. محمد المرسي : القنوات الإقليمية والبث الفضائي !!
- 8 يونيو 2021, 6:02:22 م
- 1048
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
1️
أثار قرار لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب بإيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية - بناء على اقتراح نائبة عضو بالمجلس - موجة من عدم الرضا لدى العاملين بهذه القنوات كما أثار العديد من التساؤلات أيضا لدى الكثيرين تحتاج إلى توضيح ربما من أهمها :
١- ما علاقة وما صلة النائبة صاحبة الإقتراح بمجال الإعلام كى تتقدم باقتراح يحتاج لمناقشة وحسم من أهل المهنة والخبراء والمتخصصين في الإعلام ؟
٢- ما علاقة لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب باقتراح وإصدار قرار يخص مجال الإعلام ؟ هل مهمة هذه اللجنة بالإضافة لتلقي الشكاوى اقتراح قرارات والموافقة عليها في أي تخصص وفِي أي مجال ، أم في مجال تخصص أعضائها ، أم بعد التشاور مع أهل العلم والتخصص والخبرة في هذا المجال ؟
٣- ألا يوجد بمجلس النواب لجنة للإعلام هي المختصة بمناقشة أمور الإعلام وتضم من بين أعضائها إعلاميين في المجال نفسه ومن مهامها إصدار قرارات تخص شئون الإعلام بعد جلسات نقاش واستماع مع القائمين على أمور المهنة وخبراء وأساتذة الإعلام ؟ ألا يكون إصدار مثل هذا القرار من هذه اللجنة بعد مناقشات مستفيضة حاسما للأمر وجعله أكثر وقعا وربما قبولا ؟
٤- ما تأثير هذا القرار على العاملين بهذه القنوات وما هي الخطط البديلة لضمان الوصول إلى الجمهور المستهدف بأعلى كفاءة ممكنة ؟
هذه هي بعض التساؤلات التي أثارها إصدار هذا القرار وليس لها علاقة برأيي الشخصي تجاه صحة وصواب هذا القرار من عدمه أو رأيي الشخصي في وضع القنوات الإقليمية ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها أو ما ينتظر القنوات الإقليمية من مستقبل قد يبدو غامضا لدي الكثيرين .. وهو ما سوف أتناوله تفصيلا في بوست قادم - بإذن الله - ..
2️
كثيرا من الشجون وبعضا من الألم والكثير من الأفكار حول ما وصل إليه الحال بالقنوات الإقليمية أثارها قرار لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب بوقف البث الفضائي لها .. وقبل أن أبدأ بعرض رأيي أود أن أؤكد أنني من المهتمين جدا بالقنوات الإقليمية ومن المدركين لأهمية وجودها واستمرارها في حال التزامها بأهداف إنشائها وفلسفة وجودها أيضا فإنني أقر - عن خبرة ودراية - بأن هذه القنوات تضم عناصر بشرية مدربة عالية الكفاءة ولا تقل بأي حال في كفاءتها عن العناصر البشرية المؤهلة في القنوات العامة أو المتخصصة .. ورغم ذلك يتبقى أن أعرض بعضا من الأفكار حول هذا القنوات :
أولا : يعمل إعلاميو هذه القنوات في ظل ظروف ومناخ عمل غاية في الصعوبة من حيث صعوبة توفير استديوهات وكاميرات وأجهزة حديثة للعمل أو أجهزة حديثة للبث المباشر أو مواصلات لائقة تخص العمل أيضا ، ناهيك عن الميزانيات الضعيفة جدا للإنتاج البرامجي ، يضاف لذلك عامل مهم وهو إحساس غالبية العاملين بهذه القنوات بأنهم أقل مرتبة واهتماما وأهمية من زملائهم بالقنوات العامة وذلك على مستوى التقدير المعنوي والمادي أيضا
ثانيا : تساؤل مهم يثار دائما هل حققت القنوات الإقليمية أهداف وفلسفة وجودها ؟ .. الحقيقة - وهذا رأيي الشخصي - أنها لم تحقق أهدافها وكي أكون منصفا أن بعض الأهداف قد تتحقق من حين إلى آخر وفي أضيق الحدود وكي أكون أكثر إنصافا قد تكون هذه القنوات قد حققت بعضا من أهدافها بشكل أكبر في بدايات إنشائها حيث كان هناك بعض الحماس والالتزام لتحقيق بعض هذه الأهداف .. ولا أنسي على المستوى الشخصي بعض التغطيات المميزة بغالبية هذه القنوات في بداياتها والتي عبرت عن قضايا إقليمها بشكل متميز ومنها على سبيل المثال لا الحصر التغطية الإعلامية المتميزة للقناة الثالثة لأحداث زلزال ١٩٩٢ ومتابعة آثار الزلزال على سكان القاهرة الكبرى ..
ثالثا : ما هي فلسفة وأهداف القنوات الإقليمية التي أنشئت من أجلها والتي يجب أن تتحقق ؟ .. هذه القنوات أنشئت كي تكون جسرا للتواصل مع مشاهديها في بيئة محلية أو إقليمية ومنفذا لهم للتعبير عن آرائهم ومعبرا لعرض مشاكلهم وقضاياهم وآمالهم وطموحاتهم بالإضافة لتقديم المواهب المحلية في الأدب والفنون والغناء والتمثيل .. إلخ .. هذه الفلسفة وهذه الأهداف تقتضي التركيز في وضع الخريطة البرامجية وكافة نوعيات البرامج في القناة علي أن تكون محلية أو إقليمية في مضمونها ومعالجاتها للموضوعات والقضايا المختلفة .. لا نريد في هذه القنوات نشرات إخبارية عامة ولا نريد برامج إخبارية تناقش قضايا عامة بل نريد نشرات تعرض أخبار الإقليم والمجتمع المحلي وبرامج إخبارية تناقش قضايا الإقليم المختلفة .. لا نريد نوعيات البرامج التي تناقش مشاكل فئوية عامة للمرأة أو الطفل أو الشباب بل نريد نوعيات البرامج التي تناقش مشاكل هذه الفئات في المدن والقرى المختلفة في نطاق إرسالها .. لا نريد برامج منوعات أو فواصل غنائية تعرض أغاني لعبد الحليم أو شادية أو هاني شاكر أو غيرهم من مشاهير الغناء بل نريد أصواتا جديدة من مدن وقرى هذه الأقاليم ومواهب في التأليف والتلحين من هذه المدن والقرى وعرض لخصوصية فنية في هذه الأقاليم .. لا نريد أن نشاهد دراما لكبري شركات الإنتاج والتي تقوم بعرضها القنوات العامة أو المتخصصة بل نريد دراما محلية بموضوعات محلية تعبر عن البيئة المحلية بمواهب في التمثيل والتأليف وكتابة السيناريو والإخراج من المدن والقرى بهذه الأقاليم .. باختصار نريد تعبيرا شديد الوضوح عن البيئة المحلية أو الإقليمية ولا نريد نسخا مكررة من القناة الأولى أو الثانية أو الفضائية المصرية ! ..
رابعا : كي تتحقق هذه الفلسفة وهذه الأهداف لابد من أن يدرك القائمون علي مجال الإعلام وعلى هذه القنوات أهميتها وما يمكن أن تحدثه من تأثير في بيئتها وهو ما يقتضي وضع فلسفتها وأهدافها نصب أعينهم ، ايضا لابد من توفير كافة الإمكانات المادية والتكنولوجية اللازمة لتحقيقها ..
خامسا : يجب أن نعي وندرك جميعا أن الإغراق في المحلية لهذه القنوات هو طوق النجاة لاستمرارها ونجاحها وتحقيق كثافة مشاهدة عالية بحيث يجد فيها المشاهد ما لا يجده في القنوات العامة أو المتخصصة ، يجد شيئا مختلفا يعبر عنه وعن بيئته المحلية ..
أما ما يتعلق بوجهة نظري فيما يخص قرار وقف البث الفضائي للقنوات الإقليمية فهذا موضوع البوست القادم - بإذن الله - ..
3
هل قرار إيقاف البث الفضائي للقنوات الإقليمية قرار صائب أم قرار جانبه الصواب ؟ الحقيقة أن الإجابة تقع بين حواجز شائكة بين رأيين يمثل كل منهما توجها مختلفا ينتج عنه الكثير مما يؤثر على مستقبل هذه القنوات .. القرار صائب منطقيا وعقليا وفي الوقت ذاته غير صائب واقعيا وعمليا ! .. ولمزيد من التوضيح :
أولا : القرار صائب منطقيا وعقليا بالنظر إلى الجمهور المستهدف للقنوات الإقليمية وهو جمهور محدد جغرافيا بإقليم معين وبالتالي فحدود بث هذه القنوات يجب أن تصل مباشرة إلى جمهورها المستهدف في هذه المنطقة المحددة وبالتالي ليست هناك ضرورة لبث فضائي يصل بالقناة إلى مساحات شاسعة وإلى كل مواطن عربي في هذه المساحة لأن مثل هذا البث ومثل هذا الجمهور قد يكون بثا وجمهورا مستهدفا لقنوات أخرى مختلفة في أهدافها وفلسفة إنشائها مثل الفضائية المصرية وقناة مصر الأولى .. ومن هذا المنطق فإن الإنفاق علي بث القنوات الإقليمية فضائيا يعد إهدارا للمال العام يصل بهذه القنوات إلى جمهور عام واسع قد يكون غير مهتم بما تبثه هذه القنوات وفقا لأهدافها وجمهورها المستهدف المحدد جغرافيا .. وينطبق هذا المنطق أيضا على الإعلان فالمعلن الذى يستهدف جمهورا محددا في إقليم معين أو منطقة محددة يتجه إلى استخدام وسيلة محلية أو إقليمية تصل مباشرة إلى هذا الجمهور ولا يتجه إلى قنوات عامة تستهدف فئات أخرى لاتحقق الهدف من الإعلان .. المنطق أيضا في صواب هذا القرار هو توفير نفقات بث فضائي لا يحقق أهداف هذه القنوات لإنفاقها في التطوير خاصة مع وجود أزمات مالية مستمرة تواجه منظومة إعلام الدولة والقنوات الإقليمية تحديدا .. كما أنه في إطار التطور التكنولوجي يمكن اللجوء لوسائل الإعلام الجديد وهي وسائل تقريبا صفرية التكلفة مثل البث عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي لتحقيق المزيد من كثافة المشاهدة ..
ثانيا : القرار غير صائب واقعيا وعمليا لأسباب عديدة من أهمها أن عصر استخدام "الإريال" لالتقاط البث الأرضي قد انتهى تقريبا بالإضافة إلى الصعوبات الهندسية لهذا البث وهو ما يعني عمليا حكما بالإعدام على هذه القنوات والعاملين فيها لعدم القدرة على التقاط ارسالها في هذه المنطقة المحددة جغرافيا كجمهور مستهدف ولعدم الرغبة في استخدام تكنولوجيا أصبحت ماضيا .. أيضا فإن البث الفضائي يمثل ضمانا لسهولة وصول الإرسال إلى الجمهور المستهدف داخل وخارج الدولة وأيضا إلى جمهور غير مستهدف قد يدفعه الفضول أو الرغبة في التعرف على ما يحدث ويدور في مثل هذه المناطق الإقليمية .. أيضا هناك رغبة في زيادة جماهيرية هذه القنوات الإقليمية إدراكًا لأهميتها وتأثيرها .. وأخيرا أن هذا القرار يأتي في وقت غير مناسب يزداد فيه الجدل والحديث عن الرغبة في سحب البساط من إعلام الدولة والتوجه إلى إعلام بديل أكثر تطورا بل يصل الحديث إلى عدم جدوي هذا الإعلام انتظارا لإطلاق رصاصة الرحمة عليه وهو ما يزيد من حالة "شبه" الإحباط كما يمثل ضغطا نفسيا شديدا على العاملين في منظومة إعلام الدولة بشكل عام وعلى العاملين في القنوات الإقليمية بشكل خاص ..
ثالثا : ما بين وجهتي النظر السابق عرضهما - ولكل منهما أسبابه - ما هو الحل الأفضل لاستمرار القنوات الإقليمية بشكل فاعل .. في رأيي أن الضمان الأساسي لهذه الإستمرارية والفاعلية هو الإلتزام بفلسفة وأهداف إنشائها كما أوضحت في البوست السابق وتطوير شكل ومضمون ما يتم تقديمه في إطار هذه الفلسفة والأهداف وهو ما يضمن مشاهدة فعلية لهذه القنوات بأي وسيلة كانت سواء بث فضائي أو أرضي رغم صعوباته أو من خلال اليوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي .. أيضا إن كانت هناك إمكانية للبحث عن مصادر تمويل لهذه القنوات - من خلال رعاية من مؤسسات وشركات - لبثها فضائيا لتوسيع نطاق مشاهدتها بسهولة ويسر لمشاهدها المستهدف وغير المستهدف فهذا حل قد يكون مناسبا ولو كانت هناك رغبة في استمرارها وتطويرها كإعلام خدمي فلابد من توفير كافة الإمكانات لها لتطوير أدائها لزيادة فاعليتها وتأثيرها .. والله الموفق لما فيه الخير لمستقبل افضل لمنظومة الإعلام المصري ..