- ℃ 11 تركيا
- 15 نوفمبر 2024
أحمد عسكر يكتب: كيف تحولت أفريقيا إلى وجهة لإبعاد اللاجئين من الغرب؟
أحمد عسكر يكتب: كيف تحولت أفريقيا إلى وجهة لإبعاد اللاجئين من الغرب؟
- 21 يونيو 2022, 2:30:23 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على النقيض من المسار التقليدي لعمليات الهجرة واللجوء من الدول الأفريقية إلى الدول الغربية، نشأ في الفترة الأخيرة إرهاصات مسار مغاير يجعل الدول الأفريقية وجهة لإبعاد اللاجئين من الدول الغربية؛ حيث أعلنت رواندا في 16 يونيو الجاري التزامها باستقبال طالبي اللجوء من المملكة المتحدة بموجب الاتفاق الذي وقعه الطرفان في أبريل 2022؛ وذلك عقب قرار من محكمة الاستئناف في لندن رفضت فيه مغادرة أول رحلة بريطانية إلى كيجالي قبل موعد إقلاعها في 14 يونيو الجاري، وهو ما يكشف حرص بعض الدول الأفريقية على لعب دور بارز في توطين طالبي اللجوء بدلاً من الدول الأوروبية دون الانتباه إلى ما يحمله هذا القرار من تداعيات محتملة على مستقبل أفريقيا خلال الفترة المقبلة.
مقرات بديلة
تميل الدول الأفريقية إلى فتح أبوابها أمام اللاجئين من داخل وخارج القارة، انطلاقاً من تبنيها سياسة الباب المفتوح لطالبي اللجوء لتصبح بذلك موطناً لآلاف اللاجئين، ووجهة بديلة لإبعادهم عن الدول الغربية. ويرتبط هذا التحول بعدد من الأسباب والدوافع تتمثل أبرزها في:
1– السياسات الغربية المشددة تجاه اللاجئين: هناك اتجاه سائد لدى العديد من الدول الأوروبية باتخاذ تدابير من شأنها تقليص موجات الهجرة المتنامية إليها منذ عام 2015؛ من أبرزها إرسال طالبي اللجوء إلى الخارج بالقوة بهدف ردع الوافدين إليها في المستقبل، وإن كان ذلك يمثل سابقة تثير القلق حول مستقبل اللاجئين في العالم؛ فبعد إعلان بريطانيا عن خطة لنقل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى رواندا في أبريل الماضي، أجرت الدنمارك محادثات مع رواندا في الشهر نفسه بشأن الإجراء ذاته، خاصةً أنها قد أقرَّت قانوناً في عام 2021 يسمح بنقل اللاجئين الذين يصلون إلى أراضيها إلى مراكز اللجوء في بلد شريك، فيما تبحث معظم الدول الاسكندنافية عن تفعيل هذه الخطوة منذ فترة قصيرة.
كما نصَّ قانون الهجرة في المجر، الذي صدر في مارس 2017، على احتجاز جميع المهاجرين القادمين إليها في معسكرَين بصربيا حتى يتم البت في قضاياهم. وقد بنت 10 دول أوروبية أكثر من 1100 ميل من الجدران المزودة بالتكنولوجيا المتقدمة وأجهزة الاستشعار لردع المهاجرين غير النظاميين كما في المجر.
إذ دفعت المخاوف الأمنية دول الاتحاد الأوروبي إلى تبني سياسات وآليات لحماية الحدود بين أوروبا وأفريقيا؛ حيث ينسق الطرفان بشأن تكثيف التعاون الأمني في حماية الحدود، كما تعمل وكالة خفر السواحل التابعة للاتحاد الأوروبي مع دول غرب أفريقيا لبناء حدود أوروبية على الأراضي الأفريقية، بهدف منع حركة اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا. كما عبَّرت بعض التصريحات العدائية خلال الفترة الأخيرة من جانب بعض المسؤولين الأوروبيين تجاه اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا، عن حالة رفض عام في أوروبا للاجئين من غير الأوروبيين، بعدما وصف بعض ساسة أوروبا والإعلام الغربي اللاجئين الأوكرانيين بأنهم يتفوقون نوعياً بحكم عرقهم ودينهم على أولئك القادمين من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا والجنوب العالمي.
2– تحقيق بعض المكاسب المادية: تجد الدول الأفريقية في التكلفة المالية للخطط الأوروبية لنقل اللاجئين إليها فرصة جيدة للحصول على المزيد من الأموال، بالإضافة إلى وعود بمساعدات اقتصادية وإنمائية؛ فقد أعلنت الحكومة البريطانية أن تكلفة خطة نقل اللاجئين إلى رواندا تصل إلى نحو 1.5 مليار جنيه إسترليني، بجانب مساعدتها في معالجة المزيد من القضايا في البلاد. وفي السياق ذاته، تتلقَّى أوغندا مساعدات أجنبية أكثر من جيرانها بسبب نهجها في استضافة اللاجئين، بالرغم من أنها تواجه تحديات اقتصادية خلال السنوات الماضية، وقد سعت أيضاً إلى الحصول على دعم لتطوير البنية التحتية، بما في ذلك إنشاء المزيد من المرافق الصحية والتعليمية والطرق السريعة ودعم برامج مواجهة تغير المناخ.
3– الحصول على اعتراف دولي: ثمَّة دوافع إضافية لقبول أفريقيا للاجئين، وهي مرتبطة برغبة بعض الأطراف في الحصول على الاعتراف الدولي؛ فقد انخرطت إدارة إقليم أرض الصومال، التي لم تجد اعترافاً دولياً منذ عام 1991، في هذا المجال بهدف تقديم نفسها على أنها جهة فاعلة مسؤولة على مستوى العالم وذات مصداقية؛ ما قد يعزز مساعيها إلى الحصول على الاعتراف الدولي.
4– تخفيف حدة الانتقادات الدولية تجاه الدول الأفريقية: تجد بعض الدول الأفريقية، مثل أوغندا ورواندا، في استقبال بعض اللاجئين من الدول الأوروبية، فرصة لتحسين صورتهما على الصعيد الدولي، وثني الشركاء الأوروبيين عن توجيه أي انتقادات أو إجراءات عقابية بسبب ارتفاع معدلات انتهاكات حقوق الإنسان فيها، وتراجع الديمقراطية.
5– تقديم نموذج أخلاقي دولي: يرى البعض في تبني أفريقيا سياسة الباب المفتوح للاجئين القاريين والدوليين، تصديراً لنموذج أخلاقي لها؛ لإدراكها حجم المعاناة التي يتعرض لها تلك الأعداد الكبيرة من اللاجئين، لا سيما في ظل الحاجة إلى إعادة توطين 1.47 مليون لاجئ على مستوى العالم في عام 2022، فضلاً عن تصدير فكرة أن أفريقيا تفكر في المستقبل، ولديها حلول متطورة ومستدامة للقضايا المعقدة، مثل أزمة اللجوء الدولي، ولإيمانها بأن ذلك يعد جزءاً من تحمل الأفارقة للمسؤولية الدولية في مواجهة تفاقم أزمة اللاجئين العالمية، وهو ما دفع بعض الدول، مثل السودان ورواندا وأوغندا وإقليم أرض الصومال، إلى عرض استضافة بعض اللاجئين الأفغان في العام الماضي، عقب استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان.
وتُعَد منطقة أفريقيا جنوب الصحراء موطناً لما يُقدر بنحو 26% من إجمالي اللاجئين في العالم؛ حيث تعتبر أوغندا نموذجاً مثالياً في توطين اللاجئين وإدارتهم؛ نظراً إلى أنها تتمتع بواحدة من أكثر سياسات اللاجئين تقدماً في العالم؛ ما أكسبها استحساناً دولياً خلال السنوات الماضية؛ فهي تستضيف أكثر من 1.3 مليون لاجئ معظمهم من دول رواندا والصومال والكونغو الديمقراطية وبوروندي، وهي لا تزال أكبر دولة مستفيدة من اللاجئين في أفريقيا. وينطوي النموذج الأوغندي على دمج اللاجئين ومنحهم حقوقهم كاملة، بما في ذلك الحق في حرية التنقل والعمل وملكية الأراضي والحصول على الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، فضلاً عن السماح لهم بالإقامة في أي مكان في البلاد.
كما يوجد في رواندا أكثر من 130 ألف لاجئ بالرغم من كونها من الدول الأكثر كثافةً سكانيةً في أفريقيا، بينما تعد الصومال موطناً لأكثر من 25 ألف لاجئ، بما في ذلك أكثر من 700 لاجئ سوري، و6800 لاجئ يمني، فيما تمتلك كينيا واحداً من أكبر مخيمات اللاجئين في العالم، وهو المخيم الذي يستضيف النازحين من دول الجوار، مثل جنوب السودان والصومال وإريتريا. وقد استضافت ليبيريا أكثر من 200 ألف لاجئ، في حين استوعب السودان أكثر من مليون لاجئ منذ عام 2010، ولا يزال خامس أكبر دولة مضيفة للاجئين على مستوى العالم.
تداعيات غير محسوبة
بالرغم من الدوافع المتعددة لتبني الدول الأفريقية سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين، فإن التوسع في استقبال المزيد من اللاجئين من الغرب، قد يؤدي إلى عدد من التداعيات المحتملة، من أبرزها:
1– تزايد الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية: وذلك نتيجة تصاعد المعارضة السياسية في البلدان الأفريقية تجاه استقبال الآلاف من اللاجئين إلى البلدان الأفريقية التي تواجه أزمات متعددة في قطاعات مختلفة مثل الصراعات والجفاف والأمراض والفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية عقب جائحة كوفيد–19، وهو ما قد يهدد أمنها واستقرارها، لا سيما في ضوء تصاعد نشاط الإرهاب في عدد من المناطق الأفريقية؛ الأمر الذي قد يدفع بعض التنظيمات الإرهابية إلى استغلال هذا الأمر في استقطاب وتجنيد المزيد من العناصر إليها، وهو ما يشكل تهديداً للمصالح الغربية في أفريقيا، كما أنه قد يخلق خلافاً بين أفريقيا وأوروبا نتيجة الضغوط الأفريقية على المانحين الدوليين للحفاظ على تدفق المساعدات لتجنُّب حدوث أزمات إنسانية إقليمية.
2– تفاقم أزمة اللاجئين في العالم: وذلك في ظل ارتفاع ظاهرة النزوح البشري على مستوى العالم؛ حيث إن هناك أكثر من 80 مليون نازح في العالم، وهو ما يتزامن مع تصاعد مخاطر بعض الأزمات العالمية مثل تداعيات جائحة كوفيد–19 واندلاع المزيد من الصراعات وتغير المناخ، كما أن تغاضي الأوروبيين عن لعب دور أكبر في سبيل تسوية الأزمة من المحتمل أن يزيد من تعقُّدها، لا سيما أن هناك فجوة كبيرة في مسألة توطين اللاجئين؛ حيث تستقبل البلدان المتقدمة نحو 15% من إجمالي عدد اللاجئين في العالم، بينما تستضيف البلدان الفقيرة أكثر من 85%، بالرغم من ضعف قدراتها حتى قبل جائحة كوفيد–19، وهو ما قد يهدد بحالة انقسام قد تعزز تفاقم أزمة اللاجئين على الصعيد الدولي.
3– تقويض الصورة الأخلاقية للدول الأفريقية: صحيح أن الدول الأفريقية تستهدف في جانب من سياسة استضافة اللاجئين من الغرب تعزيز صورتها الخارجية، بيد أن هذه السياسة قد يكون لها ارتداد عكسي على سمعة الدول الأفريقية وصورتها الخارجية، وخصوصاً أن خطط الدول الغربية لترحيل اللاجئين من أراضيها تُواجَه بانتقادات حادة؛ فعلى سبيل المثال، قوبلت خطة الحكومة البريطانية لترحيل اللاجئين إلى رواندا بانتقادات عديدة وصفتها بالسياسة غير الأخلاقية، كما قدَّم بعض المحامين والمنظمات الحقوقية طعوناً على الخطة البريطانية أمام المحكمة العليا في بريطانيا.
وفي السياق ذاته، انتقد مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “فيليبو جراندي” الخطة البريطانية، معتبراً أنها “كلها خطأ”. علاوة على ذلك، نشرت صحيفة تايمز البريطانية، يوم 14 يونيو الجاري، رسالة من زعماء الكنسية الإنجليكانية ذكروا فيها أن “هذه السياسة غير الأخلاقية تغطي بريطانيا بالعار”، كما جاء قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الأخير، في شهر يونيو الجاري، ليفرض المزيد من الضغوط على الحكومة البريطانية؛ حيث تضمن القرار إيقاف ترحيل اللاجئين إلى روندا، وتأكيد أنه “يتعين على القضاء البريطاني أن ينظر في قانونية الإجراء قبل ترحيل المهاجرين”.
وإجمالاً، قد تبدو نظرة أفريقيا قاصرة في مسألة تبنيها سياسة الباب المفتوح لأزمة اللاجئين الدوليين ولعب دور المعسكر البديل لتوطين الآلاف من طالبي اللجوء إلى الدول الأوروبية، رغبةً منها في تحسين أوضاعها الاقتصادية، من خلال تعظيم الاستفادة من الأوروبيين على المستويات السياسية والاقتصادية والمالية، إلا أن تفاقم أزمة اللاجئين التي يتزايد أعدادهم وانتقالهم إلى الدول الأفريقية التي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة، بالتزامن مع تنامي الأزمة الاقتصادية الدولية عقب اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية، قد يعقد الأوضاع بالنسبة إلى الدول الأفريقية خلال الفترة المقبلة، خاصةً إذا تكاسلت الدول الأوروبية عن الوفاء بالتزاماتها المادية تجاه خططها بالنسبة إلى أزمة اللاجئين مستقبلاً.