- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
أحمد سراج : في حضرة أمل دنقل الدم القاطع والنص الحي
أحمد سراج : في حضرة أمل دنقل الدم القاطع والنص الحي
- 21 مايو 2021, 11:03:02 ص
- 883
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في حضرة أمل دنقل| الدم القاطع والنص الحي: أحمد سراج
في ذكرى رحيله (21 من مايو 1943)
(1)
ولنا المجدُ - نحنُ الذينَ وقَفْنا
(وقد طَمسَ اللهُ أسماءنا!)
نتحدى الدَّمارَ..
ونأوي الى جبلٍ لا يموت
(يسمونَه الشَّعب!)
نأبي الفرارَ..
ونأبي النُزوحْ!
كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ
كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ
يرقدُ - الآن - فوقَ بقايا المدينه
وردةً من عَطنْ
هادئاً..
بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ
وأحب الوطن!
على مدار شعرنا العربي الممتد لآلاف السنوات ندر أن نلمح شاعرًا آثر أن يصرخ في وجه السلطان: "انت عارٍ تماما، أنت كاذب، أنت ضعيف" كان الشاعر يختبئ خلف المجاز، يمدح ظاهرًا ويقدح باطنًا..
قليلون هم من رفعوا راية العصيان، وهؤلاء أجبرتهم قبائلهم على الخروج؛ فانتقلوا من بيد إلى بيد، ومن جوع إلى جوعٍ، حتى أماتوا الجوع.. وبقيت البيد تردد أبيات الحرية.
يأتي أمل من هذه السلالة النادرة: شعراء الرفض لكل ظلم، ولئن قيل قديمًا إنه يكفيك كي تكون سلفيًّا أن تطلق لحيتك،
أما أن تكون غير ذلك فعليك بآلاف الكتب- فإننا نقول: يكفي أن تمدح أو تنافق لتكون على رأس اللجان والجوائز،
أما أن تكون لسان حال الحقيقة فهذا يعني أن تقبض الجمر لأنك رفضت لحس الحذاء، أو العيش حذاءَ المسؤولين.
من هنا تأتي ندرة أمل الشاعر المثقف، الذي وظف شعره – أو وظفه شعره – من أجل النطق بالحق والخير والجمال.
(2)
تقفز حولي طفلةٌ واسعةُ العينين .. عذبةُ المشاكسة
( كان يَقُصُّ عنك يا صغيرتي .. ونحن في الخنادْق
فنفتح الأزرار في ستراتنا .. ونسند البنادقْ
وحين مات عَطَشاً في الصحَراء المشمسة ..
رطَّب باسمك الشفاه اليابسة ..
وارتخت العينان!)
فأين أخفي وجهيَ المتَّهمَ المدان ؟
والضحكةَ الطروب : ضحكتهُ..
والوجهُ .. والغمازتانْ ! ؟
تبدو قصيدة أمل صريحة كدم ثائر يقطع بين الحق والباطل بحاجز كبير يمكن بتلقائية معرفة موقع كل واحد؛
فسبارتاكوس وكليب والحسين والمتنبي وأبونواس وصلاح الدين وصقر قريش من جهة،
والقيصر والودعاء الطيبون من جهة.. وكل ما عليك هو أن تختار طريقك.
يتأبى قصيد دنقل على الزمنية، على أن يقيد بحدث؛ وهو إذ يفعل ذلك يخرج الحدث ذاته من السقوط في جب التاريخ وسلة الحكايات؛
فحين يكونُ جزءٌ من الماضي حاضرًا فإن بقيته ستكون مستقبل؛ الذين باعوا الحسين سيبيعون من يأمن لهم في كل زمان،
ما دام الودعاء الطيبون فسيدوم القيصر وسيشنق الثوار، مادامت مصالحة القاتل فسيقتل أخًا واخًا وأخًا.
الشعر لدى أمل ليس تعبيرًا عن حدث، ولا تشكيلا لحدث، وإنما هو حدث مترابطٌ، حياة، رؤية خاصة لكون كامل، من كان يظن أن لابن نوح العصري حقًّا فيما فعل؟ ومن بعد قراءة قصيدة أمل ينكر حقه عليه.
(3)
(الورقة السابعة)
كنتُ في كَرْبلاءْ
قال لي الشيخُ إن الحُسينْ
ماتَ من أجلِ جرعةِ ماءْ!
وتساءلتُ
كيف السيوفُ استباحتْ بني الأكرمينْ
فأجابَ الذي بصَّرتْه السَّماءْ:
إنه الذَّهبُ المتلألئ: في كلِّ عينْ.
إن تكُن كلماتُ الحسينْ..
وسُيوفُ الحُسينْ..
وجَلالُ الحُسينْ..
سَقَطَتْ دون أن تُنقذ الحقَّ من ذهبِ الأمراءْ?
أفتقدرُ أن تنقذ الحقَّ ثرثرةُ الشُّعراء?
والفراتُ لسانٌ من الدمِ لا يجدُ الشَّفتينْ?!
كأن اللغة خلقت لهذا النص ومنه، "المجد للشيطان معبود الرياح – عم صباحًا أيها الصقر المجنح – اسقني يا غلام – لا تفري من أمام النار مختبئة"
ما الذي يفعله أمل فينا غير أن ينشئ نصًّا نصلا حيًّا عبر كلمات منتقاة وتركيبات مؤسسة... تقف في حيرة مشدوها هل هذا الهادر.. نحته إزميل أم صاغته فرشاة على غير مثال.
(4)
كلُّ شيءٍ تحطَّم في نزوةٍ فاجرة
والدي اغتالني: ليس ربًا..
ليقتلني بمشيئته
ليس أنبل مني.. ليقتلني بسكينته
ليس أمهر مني.. ليقتلني باستدارتِهِ الماكرة
لا تصالحْ
فما الصلح إلا معاهدةٌ بين ندَّينْ..
(في شرف القلب)
لا تُنتقَصْ
والذي اغتالني مَحضُ لصْ
سرق الأرض من بين عينيَّ
والصمت يطلقُ ضحكته الساخرة!
ما لم يلتفت إليه أحد في نص أمل، ليس المواجهة الصريحة القوية ضد الظلم، وإلا تحول نصه إلى خطبة قائد على مشارف معركة أو صرخة مهزوم،
إن نص أمل شعري بكل ما يمكن أن يحمل المصطلح من تعريفات، كل قصيدة لأمل هي عالمٌ متماسكٌ حي سواء تعامل مع نص أسطوري أم حياتي، تراثي أم معيش..
(5)
يعلمني أمل كثيرًا، أن أواجه الحدث صغُر أم كبُر بفنيةٍ، لا فرق بين ثورة عارمة وبين رؤية طفل المحبوبة، بين معركة استمرت أربعين عامًا وبين موت سائرٍ مجهول.
(6)
نزلت تدقّ على السكون
رنين ناقوس ثقيل
و عيوننا متشابكات في أسى الماضي الطويل
تخطو إليّ
و خطوها ما ضلّ يوما عن سبيل
و بكى العناق
و لم أجد إلاّ الصدى
إلاّ الصدى
ما بقي من أمل هو شعره.. أية عظمة تلك؟!