- ℃ 11 تركيا
- 13 نوفمبر 2024
هادي جلو مرعي يكتب: ساعة مارادونا في يد مادورو
هادي جلو مرعي يكتب: ساعة مارادونا في يد مادورو
- 24 سبتمبر 2024, 11:30:09 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ماذا يعني أن يوشم دييغو أرماندو مارادونا، الأرجنتيني ولاعب فريق أرجنتينيوس، ومن ثم برشلونة في تجربة فاشلة، ثم نابولي الإيطالي في تجربة غيرت مجرى تاريخ كرة القدم، حيث قاد هذا النادي الفقير في الجنوب المهمل إلى المجد منذ منتصف الثمانينيات؟ كل هذا بعد أن فاز، ولأول مرة كلاعب شاب، بكأس العالم للشباب في اليابان عام 1979، ثم سار على قدميه في رحلة مليئة بالمعاناة والتحدي من مشارف بوينس آيرس إلى مختلف عواصم العالم. ماذا يعني أن يوشم هذا الذراع بصورة تشي جيفارا، الطبيب الثائر القادم من بوينس آيرس، الذي كافح حتى النصر وأقام صداقة مع كوبا المتحدية، قبل أن يُقتل غدرًا في أحراش مرتفعات بوليفيا التي ينقصها الأوكسجين، ويخشاها الجميع، خاصة أولئك الذين يأتون مع فرقهم إلى الملعب الرئيسي في مدينة لاباز العاصمة؟ وماذا يعني أن يجلس بجانب فيدل كاسترو، زعيم كوبا، ليريه صورته على إحدى ساقيه، معبرًا عن الحب والانتماء لليسار؟
قصة مارادونا يمكن أن تكون رواية عن اليسار العالمي، ويمكن أن تكون كتابًا، يستقل كل فصل فيه عن بطل من أبطال أمريكا اللاتينية، فهناك فصل لتشي جيفارا، وآخر لفيدل كاسترو، وثالث لهوغو تشافيز، ورابع لنيكولاس مادورو الذي ما زال صامدًا في مواجهة فاشية الغرب المتوحش، المتحفز لنهب ثروات الشعوب وتدمير البلدان المناوئة، والتي ما تزال ترفض الهزيمة في قارة تغلغل فيها اللوبي الصهيوني، مستغلاً الفقر والعوز والديون في بعض بلدانها، كالأرجنتين التي ملت حكم الدكتاتوريات، لكنها تحولت إلى معقل للصهيونية العالمية، متناسية أثر مارادونا، وراكعة عند أقدام أصحاب الأموال اليهود المتحكمين بكل شيء في هذا العالم المهزوم، الذي تترسخ فيه ثقافة الانكسار والتسليم للإمبريالية الكونية، التي تسيطر رويدًا بالنار والحديد والدولار.
يرفع الرئيس نيكولاس مادورو يده، ويتحدث عن الساعة التي تطوق معصمه بوصفها من أهم الهدايا التي تلقاها من اللاعب الأرجنتيني، بينما تظهر لقطات فيديو فرحة اللاعب الشهير وهو يحمل كأس العالم في ملعب أزتيك الشهير، حين كان هناك لاعبون عالميون لا مثيل لهم، كالبرازيليين الطبيب سقراط والهداف زيكو، والفرنسي ميشيل بلاتيني والحارس جويل باتس، ومن المكسيك البلد المنظم هوغو سانشيز، ومن إنجلترا الحارس بيتر شلتون واللاعبون برايان روبنسون ومارك هاتلي وكلين هودل والهداف غاري لينكر الذي تشارك جائزة هداف البطولة مع مارادونا. ولكن لا يمكن نسيان ذلك الفوز العظيم الذي أبقانا حتى الفجر منتظرين نهاية المباراة التي قصمت ظهر الإنجليز بهدف احتيالي باليد وضعه مارادونا في مرمى شلتون دون أن يراه الحكم التونسي، الذي تحول إلى عدو في شوارع لندن، بينما كانت شوارع بوينس آيرس تضج بالفرح وكأنها تثأر من بريطانيا العظمى التي احتلت جزر فوكلاند عام 1982.
حينها ارتقت الأرجنتين إلى النهائي لتفوز على ألمانيا المدججة باللاعب كارل هاينز رومينيغه، والحارس شوماخر، واللاعب الملتحي برايتنر، ورودي فولر، وغيرهم. بالطبع، كانت هذه النسخة اليتيمة للعراق الذي كان الفريق الوحيد في تاريخ كرة القدم الذي خاض جميع مراحل التصفيات خارج أرضه بسبب الحرب. تلك المباراة انتهت بفوز رفاق مارادونا بثلاثية، وما تزال تلك المباراة عالقة في ذاكرتي حين تألق مارادونا وفالدانو وباتيستا والحارس بومبيدو وبورتشاكا، قبل أن تثأر ألمانيا بهدف أندرياس بريمه في مونديال إيطاليا عام 1990، وهي البطولة التي شهدت نهاية مأساوية للحلم الأرجنتيني الذي دُمر بالكامل في مونديال 1994، وكانت نهاية لأسطورة اسمها مارادونا الذي ظل رمزًا لليسار، حين أذل الإنجليز المحتلين لجزر بلاده ولقن الأندية الإيطالية الغنية دروسًا لا تُنسى، عندما قاد نابولي للظفر بكأس الدوري ودوري الأبطال، ولم يعبأ بتسميات شهيرة كيوفنتوس وقطبي ميلان، إنتر وأي سي ميلان.
كانت القاعة الكبيرة التي احتشد فيها الآلاف في القاعدة الجوية في العاصمة الفنزويلية كاراكاس تهتز على وقع كلمات الرئيس نيكولاس مادورو وهو يتحدث عن الأساليب الشريرة التي تتبعها واشنطن في محاصرة الدول التي ترفض مبدأ الهيمنة ونهب الثروات وسيطرة الشركات العابرة على المال والاقتصاد في العالم، والتحديات التي تعيشها الشعوب المحاصرة في ظل سياسة تقليدية عانت منها كوبا لعشرات السنين، وكذلك إيران وروسيا والصين والعراق وسوريا وغيرها من بلدان كانت تنهج طريقًا مختلفًا، لا يلتقي والإمبريالية السيئة التي يتبعها الغرب في العالم. ومن الطبيعي أن يتغنى مادورو بمارادونا الذي أهداه تلك الساعة، فالفتى الأرجنتيني وُلد لأسرة عمالية مكافحة، وحين انتقل إلى وسط العاصمة تنفس الصعداء، لكنه انتصر لأفقر الأندية، نابولي، التي جمعت المال عبر التبرعات ولم تُضع تلك الأموال هباءً، حيث حقق ذلك اللاعب المكافح الفوز في الدوري العام، وانتصر بعد ذلك لكوبا وفنزويلا وبلدان عدة في القارة الأمريكية الجنوبية، ليثبت أن تلك القارة ليست حديقة خلفية لأمريكا، بل هي ثورة تُخمد وسرعان ما تثور مجددًا، متناغمة مع أحاسيس اليساريين والتحرريين والمخلصين لبلدانهم، الذين لا يفكرون كثيرًا في جني الأموال، بل هم أكثر قربًا لفكرة الثورة ضد الظلم والجبروت والعنجهية التي تمثلها واشنطن وتصر عليها.