نصر القفاص يكتب :نجيب الذي لا يعرفه المصريون ١٢

profile
نصر القفاص كاتب وإعلامي
  • clock 6 مايو 2021, 12:40:54 م
  • eye 722
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

"محمد نجيب" الذى لا يعرفه المصريون!! (12)


هناك وقفة واجبة مع كتاب "كنت رئيسا لمصر" الذى يحمل مذكرات – شهادة – "محمد نجيب" للتاريخ.. وضرورة الوقفة هدفها تناول "ثورة 23 يوليو" بجدية لأنها تستحق ذلك..

 إضافة إلى أهمية توضيح حقيقة لم يختلف عليها كل "الضباط الأحرار" وهى أن "جمال عبد الناصر" كان قائد الثورة ثم زعيمها حتى رحل عن الدنيا يوم 28 سبتمبر 1970,

 وأى محاولة لزعزعة هذا اليقين أو التشكيك فى تلك الحقيقة الناصعة ستلقى فشلا ذريعا!!
بين كل الذين كتبوا مذكراتهم عن "ثورة 23 يوليو" إخترت شهادة "ثروت عكاشة" التى نشرها فى نهاية الثمانينات بعنوان "مذكراتى" وصدرت عن "دار الهلال" ليتم إخفاؤها بعد ذلك مع سبق الإصرار والترصد!! وعندى أسباب عديدة لاختيار تلك الشهادة.
أولها: أن "ثروت عكاشة" كان واحدا من أبرز وأهم الضباط الأحرار الذين تحركوا يوم "23 يوليو 1952" وكان بيته هو الذى شهد آخر اجتماع قبل التحرك لتنفيذ خطة الثورة..

 وضمن هذه المذكرات نشر صورة أوراق الخطة, وملاحظات "جمال عبد الناصر" وتكليفاته بخط يده.
ثانيها: أن "ثروت عكاشة" إبتعد أحيانا عن "عبد الناصر" خلال سنوات ما بعد الثورة, لكن مكانته لم تهتز لحظة عنده..

 إختلف أحيانا مع "عبد الناصر" الذى احترم رؤيته ثم امتلك شجاعة مراجعة الذات ليقول له "أنت كنت على صواب" حدث ذلك عندما أصر "عبد الناصر" على دمج وزارتى الثقافة والإعلام عام 1962..

 لكن "ثروت عكاشة" وكان وزيرا للثقافة إعترض على ذلك, باعتبار أن "الإعلام" فعل تكتيكى و"الثقافة" فعل استراتيجى.. وبالتالى لا يجوز الجمع بينهما.. 

فما كان من "عبد الناصر" إلا أن استأذنه فى الابتعاد عن الوزارة, وكلف "عبد القادر حاتم" بالوزارة ذات الرأسين – الإعلام والثقافة – لكن تمسك بأن يكون للوزير الذى تم إبعاده "ثروت عكاشة" دورا..

 أقنعه بأن يتولى مجلس إدارة البنك الأهلى الذى استمر على رأسه أربع سنوات, وحقق نجاحا مذهلا..

 ويكفى أن تعرف أنه صاحب فكرة "شهادات الاستثمار" وأول من نفذها.. 

بعد ذلك أعاده "عبد الناصر" وزيرا للثقافة ونائبا لرئيس الوزراء عام 1966 واستمر فى موقعه حتى الشهور الأولى فى حكم "أنور السادات"!!
ثالثها: أن كل إنجازات "ثورة 23 يوليو" فى مجال الثقافة كان ورائها "ثروت عكاشة" بفكره وثقافته وقدراته, خاصة وأنه حصل على الدكتوراه من الـ"السوربون" فى مطلع الستينات..

 وكان واحدا من أهم رجال اليونسكو لآخر يوم فى حياته.. ذلك جعله يكتب شهادة عن "ثورة 23 يوليو" قائمة على رؤية بقلم كاتب متفرد, فضلا عن أنه كان آخر فرسانها.
رابعها: أن "ثروت عكاشة" كان يرتبط بعلاقة مصاهرة مع واحد من أعتى أعداء الثورة.. بل وأعدى أعداء "عبد الناصر" فى حياته وبعد وفاته..

 وهو "أحمد أبو الفتح" زوج أخت "ثروت عكاشة" دون أن يؤثر ذلك سلبا على علاقته بقائد وزعيم الثورة – عبد الناصر – وتكشف تلك الشهادة "مذكراتى" كم كان "عبد الناصر" يجيد فضيلة الإصغاء لمعارضيه, 

ويملك قدرة مقارعة الرأى بالرأى والحجة بالحجة.
خامسها: أن "ثروت عكاشة" حين عكف على كتابة شهادته, لم يعتمد على مذكراته.. بل حقق ما ذكره بوقائع دامغة وشهادات نشر نصها بخط يد من كتبوها..

 فضلا عن أن شهادته لم تتأثر إطلاقا بموقفه الشخصى, ولا برؤيته وفكره.. بل حاول – وأعتقد أنه نجح – أن يتجرد لأبعد الحدود, وأن يكون موضوعيا بصورة يستحق أن نحسده عليها..

وظنى أن تلك الأسباب كافية, لأن أقلب معكم شهادته – مذكراتى – عن "ثورة 23 يوليو" ورأيه فى كل من "محمد نجيب" و"جمال عبد الناصر".
ما كتبه "ثروت عكاشة" عن "محمد نجيب" يحمل كل معانى الإنصاف بذكر كل فضائله..

 ربما على نحو أفضل بكثير مما كتبه "محمد نجيب" عن نفسه!! فهو يقول عنه: "كان أحد قادة الجيش المرموقين" ويذكر أن الضباط الأحرار كانوا يرون فيه: "قلبا عامرا بالعطف على ضباط التنظيم دون معرفة التفاصيل.. وكان يعلم أن جمال عبد الناصر هو قائد التنظيم,

 كما كان يعلم أن اثنين من كبار معاونيه فى سلاح المشاة وهما عبد الحكيم عامر وجمال حماد كانا من الضباط الأحرار" وذكر لـ"محمد نجيب" بعضا مما قدمه فى مذكراته – كنت رئيسا لمصر – ولم يطعن فى شخصيته من قريب أو بعيد.. لكنه تناول دوره فى حدوده, والمؤسف أن "محمد نجيب" فى حالة قراءتك لمذكراته ثم قراءة شهادة "ثروت عكاشة" ستتأكد أن الرجل أساء لنفسه من حيث أراد الإساءة للثورة وقائدها.
وكتب مطولا وموضحا لشخصية "عبد الناصر" وما يهمنى هو رؤيته الشخصية له.. فهو يصفه كما عرفه,

 فيقول: "جمال عبد الناصر كانت له صفة الزعامة الوطنية.. كان فى وطنيته مضرب الأمثال, وفى نزاهته وطهارة يده قدوة تحتذى..

 كان فى عفة نفسه أبيا لا يلين.. وما من شك أنه أزاح عن مصر كابوس الاستعمار.. خاض معارك ضارية مع الاستعمار البريطانى والفرنسى القديم, ثم مع الاستعمار الأمريكى الجديد.. لقد كان القوة الدافعة وراء ما نالته مصر الحديثة من وزن عالمى كبير" ومضى يضيف فى صفحات طويلة الكثير عن "عبد الناصر" كما عرفه, وتجربته التى كان أحد شركائها..

 وتحدث عن اختلافه مع زعيم وقائد الثورة فى حياته, وما يراه سلبيا بعد رحيله.
ما يهمنا هو توصيف "ثروت عكاشة" للحالة قبل ثورة يوليو, فيقول: "كنا فى الجيش نحس أن الشعب الساخط,

يرانا شركاء فيما ترتطم به البلاد من فساد وأننا حماة هذا الفساد"!!.. ويضيف موضحا: "الشعب كان ناقم على الحكومة, 

ثم هو ناقم على الجيش الذى يقف وراء الحكومة يساندها.. فقد كان الجيش أشبه بالعصا التى يلوح الملك بها كلما أراد تحقيق مأربا شخصيا أو سياسيا"!! وبعد ذلك شرح أسباب ضعف الجيش, الذى تم الزج به فى حرب فلسطين.. لكن هذا الشرح يختلف كثيرا وتماما, عن شرح "محمد نجيب" فى مذكراته.. وينتهى إلى أن الضباط الذين عادوا من حرب فلسطين, كانوا قد فهموا وعرفوا.. كيف الخلاص!! وكان السبيل هو تشكيل تنظيم جديد أطلق عليه "الضباط الأحرار" الذى انضم له.. ثم يقول "ثروت عكاشة" فى شهادته: "كان جمال عبد الناصر هو الداعى الأول لهذا التنظيم.. أسلمنا إليه القيادة..

 فما شهدنا عليه إلا نزاهة مسرفة فيما يفعل ويأتى, وتضحية من أجل الغير, وإنسانية فياضة.. حرصا على إغاثة كل من تنزل به نازلة مادية أم معنوية, وبذلا لجهده وماله ووقته فى سبيل قضية مصر التى كانت شغلنا الشاغل.. فضلا عن حنكته السياسية, ودرايته العسكرية وتجرده المثالى.. كانت هذه الصفات التى طبع عليها, هى التى أهلته لأن يقود ويسوس وأن يكون منا موضع تقدير وإعزاز.. 

وبقدر ما كانت لقاءاتنا به جادة ومثمرة, بقدر ما كان يتخللها مرح مستفيض.. إذا كان رحمه الله يتميز بخفة ظل فريدة.. كما كان يملك قدرة على السخرية اللاذعة التى عادة ما يغلفها بدعابة تخفف من قسوتها"!
ويكشف "ثروت عكاشة" سر تشكيل الضباط الأحرار, فيقول: "ذكر عبد الناصر فى تشكيل شبه قيادة تفكر فيما يصح أن يقوم به الضباط الأحرار..

بدأ بثلاثة هم كمال الدين حسين وخالد محيى الدين وحسن ابراهيم, وقال لهم أنه لا يكتم سرا على عبد الحكيم عامر.. 

بعد ذلك ضم حسن ابراهيم زميله عبد اللطيف البغدادى.. ثم انضم صلاح سالم الذى ضم شقيقه جمال سالم..

 ومع بداية عام 1952 ضم جمال عبد الناصر إلينا أنور السادات.. وكنا نؤمن بأن ثورة الشعب لا يمكن أن تظفر بالنجاح, 

إلا إذا آذرها الجيش ووقف حاميا لها" ثم يضيف بأن اليوزباشى "جمال الدين منصور" الذى عمل بعد ذلك سفيرا لمصر فى يوغوسلافيا هو الذى اقترح صدور منشوراتنا باسم..

 الضباط الأحرار.. وصدر المنشور الثانى يوم 22 ديسمبر عام 1949..

 كانت الآلة الكاتبة وآلة الطباعة فى بيت قائد السرب عبد الرحمن عنان, ثم بيت البكباشى حمدى عبيد.. 

وانتهى بهما المطاف عند القاضى أحمد فؤاد رئيس مجلس إدارة بنك مصر ثم بنك قناة السويس فيما بعد"
يحكى "ثروت عكاشة" تفاصيل دقيقة عن عمل التنظيم.. فيقول: "تشاورنا فيما بيننا.. من سيكون فى قيادة التنظيم؟! هل سيكون محمد نجيب الذى وضعنا فيه ثقتنا,

ولم يش بنا بعد علمه بأمرنا وكان فى استطاعته أن يفعل؟! أم اللواء أحمد فؤاد صادق وكان من القادة المحنكين المعتزين بقيمهم,

 المتمسكين باهداب الخلق والحائزين على ثقة من حولهم.. آثرنا محمد نجيب الذى سايرنا فى مسيرتنا شوطا بعيدا, فكانت كفته هى الأرجح.. 

من أجل هذا حين اعتزم التنظيم القيام بالانقلاب, ناب عنا جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر لإبلاغ محمد نجيب بالموعد لكى يشاركنا فيما سيكون..

 كان ذهابهما إليه فى صبيحة يوم 19 يوليو 1952 على أن يكون الانقلاب فى الخامس من أغسطس..

 كان قبوله فى حد ذاته عملا بطوليا, إستحق عليه لقب قائد الثورة التى كان جمال عبد الناصر هو صانعها"
فى شهادته وصف "ثروت عكاشة" تحرك الجيش بأنه انقلاب.. لكنه أسهب بالشرح فى معانى الثورة,

ونشر تفاصيل إطلاق "ثورة" على هذا التحرك.. قدم كل البراهين والدلائل بمستندات يستريح لها العقل قبل القلب..

 ولأن لغته رقيقة فقد ذكر سبب إطلاق لقب "قائد الثورة" على "محمد نجيب" رغم أنه لا يعلم أى تفاصيل عن تنظيم "الضباط الأحرار" وإن كان قد لمح بعضا من تحركهم!! وأوضح أن زيارة "عبد الناصر" و"عامر" لبيت "محمد نجيب" يوم 19 يوليو لإبلاغه بأنهم سيتحركون باسمه, وأنه وافق دون تردد أو تدقيق أو تمحيص!! وأن ما تم إخطاره به هو أن التحرك – الانقلاب – سيتم يوم 5 اغسطس, 

وذلك يفسر سر وجوده فى بيته ليلة 23 يوليو بعد وقت ممتع قضاه فى نادى التجديف!! ودون ذلك مما يرويه "أول رئيس لمصر" لا يعرفه..

 لم يذكره تأييدا أو تكذيبا, أحد من الضباط الأحرار أو قادة الثورة فيما بعد..

 تلك الحقائق تجعل إطلاق لقب "قائد الثورة" بعد إعلانه أنها كانت انقلابا واستمرت كذلك.. وبعد إعلان براءته منها ووصفه للضباط الأحرار بأنهم "الضباط الأحرار" فعلا يثير علامة استفهام.. فهناك فرق بين الوقائع والحقائق التى يجب أن نذكرها مجردة, وما يترتب عليها من رأى أو موقف وضرورة إعادة النظر فى الصورة بأكملها إذا غير أحد أبطالها موقفه جذريا!!
لنا أن نتخيل طباعة مذكرات "محمد نجيب" لنحو عشرين طبعة, وترويج ما فيها من أوهام واكاذيب..

 وأن شهادة "ثروت عكاشة" التى تم نشرها بعنوان "مذكراتى" لم يتم نشرها سوى فى طبعتين كانت الأولى عام 1988 والثانية عام 1990..

 واختفت تماما بعد ذلك, كغيرها من المذكرات التى تنتصر لثورة 23 يوليو وزعيمها "جمال عبد الناصر" وذلك يدعونى إلى إطالة وقفتى بعض الشىء معها, 

قبل أن أعود إلى مذكرات "أول رئيس لمصر"!!.. يتبع

التعليقات (0)