- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
مجدي الحداد يكتب: بين الحقيقة والمسرحية في المسألة الإيرانية
مجدي الحداد يكتب: بين الحقيقة والمسرحية في المسألة الإيرانية
- 19 أبريل 2024, 9:00:35 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم يسلم الأنبياء والمرسلون، وحتى المصلحون، أيضا من الأذى. وربما كان أقسى ما تعرضوا له من هذا الأذى لم يكن فقط التضييق عليهم، والسخرية منهم، ولا حتى إهدار دمائهم، ولكن كان تكذيب رسالتهم. وثاني الضربات الموجعة لهؤلاء جميعا حينما كانت تأتيهم ليس فقط من أعدائهم، والذين باتوا معروفين، ومن ثم متوقع غدرهم، ولكن أيضا من الأقربين -أو عشيرتك الأقربين- ومما لم يكن من المتوقع أن تأتي منهم تلك الضربات، أو التكذيب.
والغريب أنه لما تمر بنا الأحداث الجسام التي تعرض لها رسول الإنسانية والدين والدنيا والأخرة نبي الله ورسوله سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وخاصة ما لقاه صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد، وحتى ظن أصحابه انه استشهد صلى الله عليه وسلم، نذرف الدمع وأحيانا يعلو نحيبنا وتبتل لحانا، ونردف ذلك بقولنا: "بأمي أنت وأمي يا رسول الله"، وذلك من دون أن نأخذ ونفهم العبر والدروس التي تقينا من المكابرة على الحق والحقيقة، وتكذيب الرسائل الربانية التي تأتينا تترى، وفي صور شتى اليوم، فنفعل ما كانت تفعله قريش مع رسول الله صل الله عليه وسلم، وأكثر -ولله المثل الأعلى ورسوله والمؤمنون- وفي ذات الوقت نتندر على جهل قريش وصلافة أبي جهل، وصفاقة أبي لهب وامرأته حمالة الحطب.
فما أن تظهر مثلا قضية جادة حيوية وحتى وجودية -أو حتى تافهة، وكما سنبين لاحقا- وحتى يظهر الشقاق المجتمعي المرضي -من مرض- والسيولة التنظيرية التافهة، والتي تعمق هذا الشقاق وتأصله وتأطره، والذي قد يصل لا قدر الله إلى صراع أهلي، وكان أقرب مثلا على ذلك هو الحالة الإيرانية، ورد إيران على العدوان الصهيوني على قنصليتها بدمشق.
ودعونا نقف عند هذه النقطة قليلا لمزيد من التحليل والتبيين.
فكانت إيران تتبع نظرية: "الصبر الاستراتيجي" -وكما أعلنت هي ذاتها ذلك- وسكتت كثيرا على اعتداءات على مصالحها وحتى اغتيال قادتها -كقاسم سليماني- وعلمائها -كعلماء الذرة الإيرانيين- داخل إيران وخارجها. وقد تندر الكثيرون على سكوتها عن كل تلك الانتهاكات في حقها، وحتى ظهرت رسوم كاريكاتيرية تُظهر نبات الخيار، وفي شكل ضخم، موجود على منصات إطلاق صواريخ متحركة، بوصفه يعني خيار استراتيجي. وعلق آخرون بأن ما شجع دولة الكيان الصهيوني على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، هو تأكدها بعدم رد إيران على ذلك، وفوق ذلك طلب بايدن من إيران، وبكل وقاحة عدم الرد.
هكذا إذن كان الوضع!
ولما ردت إيران صار ردها مسرحية ممجوجة، وانها أصلا متحالفة في السر مع دولة الكيان.
وهذا يذكرنا بحكاية جحا وابنه وحماره -والتي قد يعرفها أغلبنا، وهي حدثت بالمناسبة أيضا، حتى ولو كانت مجرد طرفة، أو "فلكلور"، أي حكاوي وأساطير شعبية عربية أو شرقية، رويت في منطقتنا تلك، ومع ذلك فكان لها مغزاها أيضا، والذي لا تخطئه عين رأت وأُذن سمعت، ونفس وعت، ومع ذلك فانها تمر علينا أيضا مرور الكرام من غير أن نستخلص منها أي عبر واضحة، وكما بينا، حتى ولو كانت في قالب فكاهي وذو مغزى!- وتحكي هذه الطرفة بأن جحا وابنه كان معهما حمار، وترك ابنه يمتطي ذلك الحمار، ومشي هو بجانبه، فقال الناس: "ما بال هذا الابن العاق الذي يركب الحمار ويدع والده الكهل يمشي بجانبه، من غير أن ينزل هو ويدع أبوه يركب ذلك الحمار. فنزل الابن وركب جحا الحمار، ولما رآه الناس قالوا: "ما بال هذا الأب الذي ليس في قلبه ذرة رحمه بابنه الصغير ليركب هو الحمار ويدع ابنه يكابد المشي بقدميه الصغيرة تلك طوال هذا الطريق إلى بيته. فتوقف جحا وركب ابنه خلفه، فقال الناس: "ما بال هذا الأب والابن معا وقد خلت منهما الرحمة بهذا الحيوان الضعيف حتي يمتطيانه وهو لا يكاد يتحمل ثقليهما معا، ولكن لا يستطيع الكلام أو الشكوى". فنزل جحا وابنه من على الحمار، وصارا يمشيان بجانبه، فقال الناس: "ما بال هذا الأب وابنه، يمشيان بجانب حمارهما، من غير أن يستفيدا منه شيئا، ولما اشترياه إذن، أهو مجرد إهدارا للمال، ليستطيل، أو يستعرض به على الناس؟، فحمل جحا الحمار وألقاه في البحر.
وقضية إيران تلك، وهذا الجدل الذي حدث بشأنها، وفي رأي الشخصي المتواضع، قضية لم يكن من المفترض أن يحدث حولها هذا الانقسام الذي حدث بقريش في أعقاب بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ ألم أقل لكم اننا لا نتعلم أبدا من دروسنا ؛ وسواء كانت تاريخية، أو دينية ، أو حتى دنيوية ، وهذا في الحقيقة أحد أسرار أو أسباب كوارثنا الحقيقة الوجودية ــ وذلك للدرجة التي أعتبرها البعض ــ حتى ولو كان شغل لجان منحطة ــ ومن غير المستبعد أن تكون تلك اللجان مشكلة من وحدة المستعربين الصهيوينة، والتي تعد واحدة من أهم وأخطر وأخبث فصائل جيش الاحتلال الصهيوني، وهي التي دخلت بالمناسبة أحد مستشفيات غزة، وكان أفرادها يرتدون معاطف الأطباء البيضاء، ويتكلمون العربية باللهجة الشامية أو الفلسطينية، وكانت تحت معاطفهم بنادق آلية وقنابل يدوية، قتلوا بها، وبدم بارد، كل من قابلهم من مرضى، أو حتى أطباء وطواقم طبية -حليفة لدولة الكيان، أو حتى انها أكثر خطورة على الوجود العربي بأسره، من دولة الكيان أو أي كيان آخر- والمقصود من ذلك طبعا هو تكريس الفرقة والانقسام في أخطر المفاصل، أو المراحل الوجودية التي تمر بها الأمة.
ورويدا رويدا، وحتى ونحن في أوج تلك الأزمة، و على الرغم كذلك من التطهير العرقي الذي يحدث بغزة من قبل الاحتلال الصهيوني، فقد صارت إيران أخطر على العرب من دولة الكيان الصهيوين ذاته، وكما بينا، وعلى على الرغم من إسقاط الأردن العربية صواريخ ومسيرات إيرانية كانت موجهة ضد جيش الاحتلال الصهيويي؛ فهل المسرحية تكون بمثل هذه الدقة في تحالف دولة عدة من خارج وداخل المنطقة وفقط من أجل إسقاط الصوا يخ الإيرانية.
في الحقيقة أن انقسامنا حول هذا الموضوع قد فاق انقسام قريش حول بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ ولله المثل الأعلى ورسوله والمؤمنون ــ لماذا ؟، لأن قريش كفرت، وكذبت بما دعاها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما نحن نكفر ونكذب ــ وفي مراحل سابقة حاربنا ــ دولة مسلمة وموحدة، وحتى اسمها الجمهورية الاسلامية الإيرانية، وذلك في الوقت الذي تحالفنا ــ ولا زلنا مع الشيطان الأكبر والأصغر ــ وكما وصفهما آية الله الخميني ــ والذي قال صراحة وعلى لسان أحد زعمائه ــ وهو جورج بوش الأبن ــ اننا في حرب صليبية في هذه البقعة من العالم؛ أي معنا نحن!