- ℃ 11 تركيا
- 13 نوفمبر 2024
قراءات إسرائيلية لـ”فترة ما بعد أبو مازن”.. 5 سيناريوهات و7 توصيات
قراءات إسرائيلية لـ”فترة ما بعد أبو مازن”.. 5 سيناريوهات و7 توصيات
- 19 يوليو 2023, 9:08:42 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الناصرة- “القدس العربي”:
تتزايد في الآونة الأخيرة القراءات والتساؤلات الإسرائيلية حول الساحة الفلسطينية ما بعد الرئيس محمود عباس، وتتركز في الأساس حول تبعات المرحلة على الاحتلال، وفي ما يلي استعراض عدد من هذه القراءات يقدمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار).
حسب “مدار”، ينبع انشغال إسرائيل بهذه المسألة من احتمال حصول تغييرات جدية على مستويين اثنين، بحسب ما تراه هذه التقارير: المستوى الأول يتعلق بالساحة الفلسطينية الداخلية، وتداعيات إعادة تنظيم علاقات القوة بين الفلسطينيين أنفسهم. المستوى الثاني يكمن في مستقبل العلاقة الأمنية والسياسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والمنتظمة حالياً وفقاً لأحكام اتفاق أوسلو.
وتهتم إسرائيل بشكل خاص بالسيناريوهات المستقبلية التي يمكن أن ترشح على هذين الصعيدين، وقدرتها على التحكم في مدخلات و/ أو مخرجات هذه السيناريوهات. وعن ذلك يقول تقرير “مدار”، قبيل الدخول في استعراض هذه القراءات: “لا تنبع أهمية هذه الورقة في الخوض في “مرحلة ما بعد أبو مازن” بحدّ ذاتها، فهذا شأن فلسطيني داخلي، وإنما في كونها تلقي الضوء على الطبيعة الاستعمارية لإسرائيل التي تنظر إلى الحقل السياسي الفلسطيني على أنه يجب أن يخضع إلى مجال هيمنتها وتدخلها”.
استمرار “الوضع القائم”: مصلحة إسرائيلية
على مدار أعوام طويلة، قامت إسرائيل باستخدام أدوات مختلفة، مباشرة وغير مباشرة، إلى أن وصلت إلى حالة “وضع قائم” تتلخص بالآتي: أولاً انسداد الأفق السياسي القائم على مفاوضات مباشرة تتعلق بالحلول النهائية. ثانياً نوع من الاستقرار الذي يتيح الاستمرار بالتوسع الاستيطاني، و”الضم الزاحف” للمناطق “ج”، من دون أن يقود الأمر إلى انفجار سياسي فلسطيني أو دبلوماسي دولي.
إسرائيليون: على تل أبيب أن تتعلم كيف تتعايش مع سلطة فلسطينية تستخدم خطاباً سياسياً “هجومياً ومعادياً لإسرائيل”، لأن هذا الأمر قد يساهم في الوصول إلى إجماع واستقرار فلسطيني داخلي.
لإسرائيل مصلحة في الحفاظ على هذا “الوضع القائم” لأسباب عدة، أهمها:
1) استمرار الوضع القائم يتيح المضي قدماً في المشروع الاستيطاني من دون وجود عراقيل تستدعي فرض سيناريوهات غير مرغوبة بالنسبة لإسرائيل.
2) استمرار الوضع القائم يعفي الساحة السياسية الحزبية في إسرائيل من أي نقاش حقيقي حول المسألة الفلسطينية. من هنا، تتوافق كافة الأحزاب الإسرائيلية الحالية (من اليمين وحتى اليسار، ومروراً بأحزاب الوسط والمتدينين) على أن استمرار الوضع الراهن يتيح لجميع الأطراف أن تتنصل من استحقاقاتها السياسية التي لا ترغب بها أصلاً، والتي تتعلق بحل الدولتين، والانسحاب من الأرض المحتلة، ومسألة الضم القانوني للضفة الغربية، ومسألة الاستيطان، وغيرها.
في هذا السياق، الذي تم وصفه بأنه “الوضع القائم”، فإن إسرائيل تحدد علاقتها بالساحة الفلسطينية الداخلية على النحو الآتي، طبقاً لـ “مدار”:
سياسياً: إسرائيل تعترف فقط بالأطراف الفلسطينية التي تتبنى حصرياً فكرة التسوية التفاوضية، وتحارب الأطراف الأخرى أو تحاول ضبطها، أو ردعها، أو إضعافها، وتجمع على هذا الموقف كافة الحكومات الإسرائيلية اليمينية، والوسطية واليسارية.
إدارياً: إسرائيل ترى ضرورة استمرار عمل مؤسسات السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية على أساس بنود اتفاق أوسلو، بالإضافة إلى النظم الأخرى المتفق عليها والمعمول بها حالياً. بالنسبة لإسرائيل، هذه حاجة إدارية تتعلق بتنظيم وإدارة الحياة الصحية، التعليمية، الاقتصادية والاجتماعية لحوالى خمسة ملايين فلسطيني يتوزعون بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث أن مسؤوليات إسرائيل تجاه الفلسطينيين تنبع من قوة اتفاقيات أوسلو المتفق عليها بين الطرفين.
اقتصادياً: إسرائيل تفضل حالة الهدوء والاستقرار في علاقتها مع الضفة الغربية وقطاع غزة، على حالة التوتر أو الصدام، وثمة عدد من القنوات الأمنية، والعسكرية والدبلوماسية التي تربط بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بهدف الحفاظ على الهدوء والاستقرار. ومع ذلك، لا تزال إسرائيل ترى أن أهم وسيلة لتحقيق الهدوء تكمن في تحسين الحالة الاقتصادية للفلسطينيين.
أمنياً: تنظر إسرائيل إلى حالة الانقسام السياسي بين فتح/ أو الضفة وحماس/ أو غزة على أنها ضرورة أمنية، فتحاول أن تدفع إلى ديمومة الانقسام وتسعى بشكل مباشر أو غير مباشر لتقويض جهود المصالحة. وتنظر إسرائيل إلى التفاعلات داخل الساحة الفلسطينية في “فترة ما بعد أبو مازن” على أنها قد تسمح باستمرار الوضع القائم (لا مفاوضات و”ضم زاحف”)، أو قد تدفع إلى تهديد الوضع القائم.
السيناريوهات التي تتحضر لها إسرائيل في “فترة ما بعد أبو مازن” هي خمسة سيناريوهات محتملة: حصول إجماع فلسطيني على خليفة أبو مازن، الذي يقف على رأس السلطة الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية وحركة “فتح”. إسرائيل تدرك أن نظاماً سياسياً فلسطينياً مستقراً يتطلب وجود توافق على خليفة أبو مازن من قبل الأجهزة الأمنية، الفصائل الفلسطينية، وأهمها حركتا “فتح” و”حماس”، مؤسسات السلطة والمجتمع المدني، الجماهير الفلسطينية، والعديد من دول المنطقة، أهمها الأردن، ومصر، والسعودية، وطبعاً المجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة. حصول انتخابات تشريعية ورئاسية، والانتخابات قد تكون في الضفة الغربية وغزة في آن واحد، أو في جانب واحد فقط، وقد تسير بشكل ديمقراطي، بحيث يحترم جميع الأطراف مخرجاتها، أو قد تكون منصة أخرى لتعميق الانقسامات السياسية والولائية والفصائلية.
في حال تعذر إجراء انتخابات في “فترة ما بعد أبو مازن”، قد تنشأ حالة من التنافس الفلسطيني الداخلي بين العديد من مراكز القوى، وهذا التنافس قد ينتهي إلى واحد من الاحتمالات الآتية:
قد تستمر مؤسسات السلطة الفلسطينية بالعمل من خلال قيادة جماعية، بحيث يتم توزيع مراكز القوى المتعلقة بالاقتصاد، الأجهزة الأمنية، البنية التنظيمية لحركة فتح (“التنظيم”)، العلاقة مع إسرائيل، شؤون المفاوضات والعلاقات الدولية، التنسيق المدني والأمني، على أكثر من مسؤول فلسطيني، والذين يعملون سوية بشكل يجمع بين الانسجام والتنافس، لكنه سياق مستقر وطويل الأمد. لكن قد يؤدي التنافس بين مراكز القوى الفلسطينية، أيضاً، إلى الدخول في سياق طويل من الفوضى الذي يتعذر ضبطه، أو التأثير عليه، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار مؤسسات السلطة الفلسطينية. وقد ينشأ سياق طويل من الفوضى بسبب التنافس بين مراكز القوى الفلسطينية، لكن، وبدل أن تنهار السلطة فإنها قد تنقسم جغرافياً إلى عدة كيانات محلية، تشبه إدارات مستقلة للكانتونات الفلسطينية، وقد ينشأ سيناريو شبيه “بالانقلاب العسكري” بحيث تسيطر الأجهزة الأمنية على كل (أو بعض) المؤسسات السياسية داخل الساحة الفلسطينية، وقد تكون هذه السيطرة طويلة الأمد أو مرحلية.
“حماس” في الضفة الغربية
في مقابل كل هذه السيناريوهات المحتملة حسب الرؤية الإسرائيلية، قد يظهر سياق مغاير تصل حركة “حماس” في نهايته إلى الحكم في الضفة الغربية. يمكن لـ “حماس” أن تسيطر على مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، إما عن طريق الانتخابات، أو عن طريق القوة العسكرية، أو من خلال صعود تدريجي يترافق مع انهيار تدريجي لمؤسسات حركة “فتح” بسبب تنافسات داخلية. وحسب “مدار” أيضاً، تحاول التقارير الإسرائيلية أن تقدم قراءة مستقبلية لـ “فترة ما بعد أبو مازن”، من خلال وضع مؤشرات لأرجحية كل سيناريو وحظوظ تحققه، كما أن هناك تفضيلاً إسرائيلياً لسيناريوهات معينة مقابل عدم تفضيل سيناريوهات أخرى، على النحو الآتي:
السيناريو الأكثر تفضيلاً هو استمرار وجود سلطة فلسطينية فاعلة، وتقيم علاقات تنسيق مدني وأمني مع إسرائيل، وهذا يعني وجود حكومة فلسطينية قادرة على توفير الخدمات العامة للفلسطينيين، وتحتكر استخدام القوة (باعتبارها “الشرعية الوحيدة”) في الساحة الفلسطينية الداخلية، وتفضل إسرائيل هذا السيناريو كونه يتيح وجود عنوان فلسطيني رسمي ومعترف به دولياً.
السيناريو الأقل تفضيلاً هو وجود سلطة فلسطينية فاعلة على الصعيد الفلسطيني الداخلي، وقادرة على توفير الخدمات العامة للفلسطينيين، ولكنها تتحول إلى معادية لإسرائيل. هذا قد لا يعني قطيعة نهائية في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بقدر ما يعني عدم وجود سياسة فلسطينية عامة لتنظيم التواصل والتعاون مع إسرائيل، سياسياً، اقتصادياً، أمنياً، أو مدنياً. وقد يعني الأمر زيادة احتمالية حصول احتكاكات عسكرية بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية والقوات الإسرائيلية في الضفة الغربية، سواء بسبب التنافس الفلسطيني الداخلي، أو بسبب تحولات في إستراتيجيات السلطة. في المقابل، هناك في جعبة إسرائيل العديد من الأدوات الفعالة لضبط هذه الحالة غير المرغوبة بالنسبة لها، بحيث أن أحد أهم هذه الأدوات يتمثل في الاقتصاد الفلسطيني الذي تتحكم إسرائيل بكافة مفاصله، خصوصاً المقاصة، المعابر والحدود التجارية، مشكلة البطالة/ العمالة الفلسطينية.
انهيار السلطة الفلسطينية
ويوضح “مدار” أن السيناريو الذي تتخوف منه إسرائيل هو انهيار السلطة الفلسطينية، وبينما يعتبر “انهيار” السلطة الفلسطينية مفهوماً فضفاضاً، فإن الأمر بالنسبة لإسرائيل قد يعني عجز مؤسسات السلطة وأجهزتها عن فرض السيادة على مساحات أساسية داخل مناطق “أ” ومناطق “ب”، أو قد يعني الوصول إلى وضع تعجز فيه كل (أو بعض) مؤسسات السلطة عن تقديم الخدمات الأساسية مثل الصحة، التعليم، الاقتصاد، إدارة البنوك، وغيرها.
التوصيات الإسرائيلية
وبموجب “مدار”، تقدم مراكز الأبحاث المقربة من دوائر صناعة القرار في إسرائيل العديد من التوصيات التي تصوغها بشكل عام، من دون الغوص في تفاصيل هذه التوصيات. أولاً، على المستويات التنفيذية في إسرائيل أن تدعم حالة من الاستقرار في الساحة الفلسطينية الداخلية من خلال عدم التدخل بشكل مباشر في خيارات الفلسطينيين في “فترة ما بعد أبو مازن”.
ثانياً، لا يجب على إسرائيل أن تقوم بخطوات أحادية الجانب تتعلق بمصير الأراضي المحتلة، والتي قد تعقد الوصول إلى إجماع فلسطيني على قيادة سياسية واحدة للمرحلة القادمة.
ثالثاً، في كل الأحوال، على إسرائيل أن تحافظ على “حرية عملها العسكري” داخل مناطق الحكم الذاتي.
رابعاً، تذليل أكبر قدر من العقبات الاقتصادية، خصوصاً المتعلقة بالحركة والتجارة، والمقاصة، قد يكون له دور إيجابي في الوصول إلى استقرار فلسطيني سياسي.
خامساً، على إسرائيل أن تدعم مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتكفّ عن اتخاذ الإجراءات التي تساهم في إضعافها أو إحراجها.
سادساً، على إسرائيل أن تتعلم كيف تتعايش مع سلطة فلسطينية تستخدم خطاباً سياسياً “هجومياً ومعادياً لإسرائيل”، على الأقل في السنوات الأولى في “فترة ما بعد أبو مازن”، لأن هذا الأمر، حسب التوصيات الإسرائيلية، قد يساهم في الوصول إلى إجماع واستقرار فلسطيني داخلي.
سابعاً، على إسرائيل أن تستنفد كل القنوات والعلاقات التي تربطها مع الدول العربية المجاورة، والمجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي، والمؤسسات الدولية (سواء الاقتصادية، أو الإغاثية، أو السياسية)، والتي قد تتقاطع مصالحها مع إسرائيل في ما يتعلق بضرورة الحفاظ على حالة استقرار في “فترة ما بعد أبو مازن”.
استمرار الوضع الراهن يتيح لجميع الأطراف التنصل من استحقاقاتها السياسية التي لا ترغب بها أصلاً، والتي تتعلق بحل الدولتين، وضم الضفة، ومسألة الاستيطان، وغيرها.
قوة ناعمة
في هذا السياق، ترى إسرائيل أن لديها سلّتين من الأدوات (سلة أدوات “عسكرية”، وسلة أدوات “قوة ناعمة”)، والتي من خلالها يمكن أن تلعب دوراً معيناً في التأثير على مرحلة ما بعد أبو مازن:
أولاً، سلة الأدوات العسكرية: وتنبع بالأساس من قدرة إسرائيل على العمل العسكري في قلب مناطق السلطة الفلسطينية. كما أن إسرائيل تعتقد أن مفهوم التنسيق الأمني يقوم على الحفاظ على حالة من الهدوء في المنطقة، وبالتالي تعتقد إسرائيل أنها قادرة على “استغلال” قنوات التنسيق الأمني بأشكال مختلفة. كما أن إسرائيل قد قطعت شوطاً كبيراً في صياغة خطة عسكرية “دفاعية- هجومية” يقودها الجيش الإسرائيلي، في حال خرجت الأمور عن السيطرة في “فترة ما بعد أبو مازن”، وتشمل تنفيذ اعتقالات لأطراف “إشكالية”، حسب التعبير الإسرائيلي، أو تفكيك مؤسسات، أجهزة، هياكل غير مرغوبة. بيد أن التقارير توصي بعدم قيام إسرائيل باستخدام هذه الأدوات العسكرية، لما للأمر من انعكاسات على “الشرعية” التي قد يمنحها الفلسطينيون لأي سيناريو مستقبلي.
ثانياً، سلة الأدوات التي يمكن تسميتها “القوة الناعمة”، وهي أدوات تبدو أكثر تفضيلاً للاستخدام، من وجهة نظر التقارير الإسرائيلية. وتشمل هذه السلة سعي إسرائيل لـ “توجيه” دور الوساطة الذي قد يقوم به المجتمع الدولي و/ أو الدول الإقليمية والعربية. كما أن الأدوات الإسرائيلية في التحكّم في الاقتصاد الفلسطيني قد يتم استخدامها بشكل يعزز/ يقوض سيناريوهات مختلفة في “فترة ما بعد أبو مازن”.
ويقول “مدار” في هذا المضمار إن الأدوات الناعمة قد تتطلب وجود “مرونة” لدى إسرائيل في ما يخص توسيع صلاحيات السلطة الفلسطينية في “فترة ما بعد أبو مازن” على مساحات إضافية في المنطقة “ج”، أو السماح للسلطة الفلسطينية بتطوير بنى تحتية حيوية لم تكن متوفرة في فترة أبو مازن.
ويخلص للقول إنه بما أن إسرائيل هي الوحيدة القادرة على “منح” هاتين المسألتين (أجزاء من مناطق “ج”، أو بنى تحتية حيوية)، فإنها قد تستخدمهما بشكل انتقائي بناء على قبولها أو عدم قبولها للسيناريوهات التي قد تتطوّر في “فترة ما بعد أبو مازن”.