عبدالعزيز عاشور يكتب : أيامي في الثانوية العامة

profile
  • clock 14 يوليو 2021, 9:27:52 م
  • eye 905
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

عندما حل موعد كتابة استمارات امتحان الثانوية العامة وكان ذلك فى بداية العام ١٩٧٠ ..

كنت طالبا يشغل كل وقته فى مكتبة المدرسة وقد كانت مكتبة رائعة تضم توليفة رائعة من مختلف الوان العلوم والمعارف العربية والعالمية ..

خللى بالك المدرسة دى لم تكن فى القاهرة او الإسكندرية وانما كانت فى مدينة صغيرة من مدن الريف المصرى حين كان التعليم تعليم بجد ..

مدينة اسمها شبين القناطر بمحافظة القليوبية فى بر مصر التى كانت ..

سرقنى الوقت ومرت الأيام والأسابيع والشهور ولم أذاكر درسا واحدا ولم أفتح كتابا ..

حسبتها بسرعة كده اتأكدت ان نجاحى وحصولى على مجموع معقول يعتبر أمرا مستحيلا فقررت عدم كتابة الإستمارات وعدم حضور امتحان الثانوية العامة لذلك العام ..


انتشر الخبر فى المدرسة ..

فى اليوم التالى نادانى أستاذ الفلسفة والمنطق وعلم النفس الأستاذ محمد موافى..

لم يكن الرجل قريبا لى ولا حتى من قريتى الصغيرة ..

أخذنى من يدى وذهب بى الى البوفيه وعزمنى على كوباية شاى ..

وبالراحة كده سألنى عن الموضوع فأكدت له أننى لن أدخل الإمتحان وشرحت له السبب ..

شوف مدرس الفلسفة والمنطق وعلم النفس عمل ايه ؟

 قال لى :

            تصدق عندك حق ..

فعلا تأخرك الكام شهر دول مش هيسمح لك بالحصول على مجموع كويس ..

وبرافو عليك انك قررت تأجل الإمتحان ..


بس ايه رأيك ان مشكلة الثانوية العامة مش بس فى الإمتحان ..

واستطرد قائلا ..

المشكلة الرئيسية اللى بتخلى كتير من الطلبة ميجيبوش المجموع المناسب لمجهودهم هى مشكلة رهبة الإمتحان ..

الخوف من الإمتحان بيؤثر على القدرة على تذكر المعلومات ..

صح يا عبد ؟

قلت له طبعا صح يا استاذ ..

قال : طب ما تيجى نحاول نتخلص من رهبة الإمتحان ..

ازاى يا أستاذ ؟

قال : تدخل الإمتحان وكده كده هتسقط  ..

وبعدين يا استاذ ؟

قال : تبقى ع الأقل اتعودت على جو الامتحان واتخلصت من رهبته ..

والسنة اللى بعدها تدخل الإمتحان بقلب جامد وانت مش خايف وتجيب المجموع المناسب ..

ايه رأيك ؟

والله فكرة يا استاذ ..

المهم الراجل لم يقم من مقامه الا بعد أن أقنعنى بدخول الامتحان ..

شفت الراجل عمل ايه ؟

وافقنى على كلامى وأيد موقفى وزى ما بيقولوا اتدحلب شوية شوية ووصل معايا لعكس الموقف وبموافقتى وترحيبى ..

قوم ايه بقى ..

كتبت الإستمارات وقدمتها ..

بعد كام يوم سألت نفسى ..

 هتسقط يا واد وانت عمرك ما سقطت ؟

طب وأبوك ذنبه ايه لما يعرف يوم النتيجة انك سقطت ؟

يعرف انك ما جبتش مجموع كبير ممكن يعديها ووارد انه يلتمس لك الأعذار ..

انما تسقط وتسود وشه وسط اهل البلد ..

مايصحش ..

طب خلى عندك دم وذاكر الكام شهر دول وانجح وهات اى مجموع وبعدين ابقى عيد السنة منزلى ويحلها ربنا بعد كده ..

المهم ابتديت اذاكر تقريبا فى شهر فبراير فى منتصفه او اواخره  بس مذاكرة بذمة شوية ..

نسيت أقول لك انه على أيامنا كانت الدروس الخصوصية عيب .. 

حاجة كده مينفعش أعملها ..

المهم جه الإمتحان وحضرت الامتحان وخلص الامتحان ..

وحان وقت اعلان النتيجة..

روحت المدرسة متأخر بعد اعلان النتيجة بساعات ..

اتفاجئت ان الأساتذة بيرحبوا بيا بشكل غير مألوف ..

مدرس الإنجليزى الأستاذ كمال شفيق كان طويل القامة أخدنى تحت باطه بعد ما قال لى مبروك انت رفعت راسى ودخل بيا على ناظر المدرسة اللى مش ناسى اسمه الأستاذ شفيق غبريال ..

الاستاذ شفيق بيسأل الأستاذ كمال ..

مين أول أدبى يا أستاذ كمال .. ؟

استاذ كمال قال له : أهه ...

قال له هو فين ؟  

قال له : أهه ..

هو فين يا استاذ انا مش شايف حد ...

ناظر المدرسة كان عارف انى مش بسيب المكتبة وانى باعمل كل اسبوع مجلة حائط ثقافية متميزة ..

يعنى بالقياس للمدرسة والدراسة لاشيئ ..

ده كمان بخلاف انى يوميا أدخل المدرسة متأخر عن موعد الجرس عشان بينى وبين المدرسة حوالى ٢ كيلومتر سيرا على الأقدام ..

الاستاذ كمال قال له :

                            أهه يا حضرة الناظر ..

عبدالعزيز هو أول أدبى على مركز شبين القناطر بنين وبنات ..

رد الناظر  بغيظ قائلا : 

بئست المدرسة اللى يكون ده الأول عليها ..

كل دا كان بيحصل وانا لسه مش مصدق انى طلعت الأول مش بس ع المدرسة وكمان ع الدحيحة بتوع مدرسة البنات ..

شوف حضرتك الحدوتة بتلخص لك حالنا 

فى الستينات ...

                وما أدراك ما الستينات ..

المدرسة والناظر والمدرسين ..

المكتبة العامرة بكل ألوان المعرفة ..

المدرس المهتم بتلميذ ملوش بيه أى صلة غير انه جزء من مسئوليته كمعلم ..

وازاى المعلم يشغل نفسه وازاى يحتال على تلميذ ويضيع وقته معاه ويعزمه على شاى على حسابه لمجرد انه يقنعه بحاجة فى مصلحته والمعلم مش هيستفيد حاجة ...

مش هاكلمك بقى عن جوانب وألوان النشاط 

فى المدرسة ..

وغرف النشاط ما بين ورشة نجارة عامرة بالمعدات والعدد والأخشاب من كل صنف ومقاس ، وغرفة الزراعة اللى تتعلم فيها ازاى تعمل كل ألوان العصائر والمربات وكله على حساب الوزارة ..

وفوق كل ده غرفة السلاحليك اللى فيها البنادق اللى بنتدرب عليها فى حصة التدريب العسكرى ساعتين أسبوعيا اللى كانوا بيسموها حصة الفتوة وكان فيه ضابط وصف ضابط بيدربوك بجد وكمان تروح الحصة لابس الملابس العسكرية بدلة تدريب وقايش وجزمة ميرى وكاب وكله بتستلمه من المدرسة ببلاش مع الكتب الدراسية ..

ده غير المكتبة اللى سبق واتكلمت عنها وعما تحتويه واللى بيسمح لك نظامها باستعارة خارجية للكتب بحد أقصى ثلاثة كتب فى المرة الواحدة ..

والمجموع كان ٧٦ ٪‏ ..

رحم الله أساتذتنا جميعا وجزى الله خيرا كل من قدم لنا ولو حرفا من العلم ..


التعليقات (0)