- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
صلاح زكي أحمد : قواعد العشق الأربعون ١
صلاح زكي أحمد : قواعد العشق الأربعون ١
- 29 أبريل 2021, 5:26:41 م
- 804
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الجزء الأول :
*********
نتذكر جميعاً المسلسل البديع الذي اُذيع منذ بضع سنوات وكان عنوانه " الخواجة عبد القادر " والذي قام ببطولته الفنان الكبير " يحيى الفخراني " وكان موضوعه
قصة حبّ صوفية ، جعلت مواطن بريطاني يعيش في بلاده في وضع انساني طيب ومعقول ، بأن يترك تلك الحياة والبحث عن بديل ،
عن خلاص للروح وانقاذ للنفس ،اذ وجدّ في داخله ما يناديه الى ترك الحياة في تلك البلاد ، بعد أن عاش على أرضها وقائع الحرب العالمية الثانية
وكابد مخاطر الموت من ويلات تلك الحرب والغارات الألمانية المتلاحقة على عاصمة بلاده ، فضلاً عن الحياة وسط ظروف عائلية كئيبة وكارثية ، مما جعله مُدمناً للخمر الى حد مُعانقة الموت ومعايشة العّدم في كل لحظة ....
غير أنهُ ، وبرغم تلك الحياة البائسة كان يناجي نفسه الطيبة ، هاتف سماوي يدعوه الى ترك هذه الأرض والتوجه الى بلاد بعيدة ، ليبدأ فيها حياة جديدة ، طاهرة مُبرأة من كل فساد وضلال وخيبة أمل ووهدة إنكسار وفشل ....
كانت أرض مصر والسودان هي تلك الأرض الجديدة ، التي وجد فيها نفسه ، ففيها لبّى النداء ، وتحول الى مواطن مُسلم ، حاملاً اسماً جديداً هو " عبد القادر " وهو اسم شيخه السوداني ،
شيخ الطريقة الصوفية ، الشيخ الورع النبيل ، الزاهد في مغانم الدنيا الزائلة وحساباتها الخاسرة ، فقد دخل على يديه الى عالم التصوف ، عالم الزُهد والحبّ والورع والإخلاص في محبة الناس والتوق الى دنيا الله : اخلاصاً وطاعةّ وشوقاً وعشقاً ....
غير ان اسمه الجديد لم يفارق أصله ، فقد لُقب باسم " الخواجة عبد القادر " فهو بريطاني الأصل ، وصاحب اللكنة الأعجمية في الحديث ، فرغم إمتلاء قلبه بالإيمان ،
وحفظه للقليل من سور القرآن الكريم ، لم تكن تلك التغيرات الظاهرية والملموسة من الناس الذين أحاطوا به وعاشوا معه ، هو الأمر المهم بالنسبة له ،
أو بالنسبة لمن يعرفونه على حقيقته ، فلم يكن كل هذا هو المُهم ، ولكن كان " قلبه النقي الطيب المُحِب لكل ماهو جميل ، هو المُهم ، كان حبه الى الله ، هو السبيل الوحيد الذي جعله مُحباً للناس " ...
تلك القصة الجميلة والبديعة ، فناً وتمثيلاً وإخراجاً وتأريخاً ، هي واحدة من أهم الأعمال الفنية التي تناولت حالة التصوف والأدب الصوفي في تاريخنا الحديث ،
ولم يسبقها في الريادة سوىّ رائعة " مأساة الحلاج " لشاعرنا الكبير الأستاذ " صلاح عبد الصبور " والتي مُثلت على مسرح الدولة في منتصف الستينيات من القرن الماضي ،
كانت صوتاً جديداً في المسرح الشعري العربي ، لم ينافسها في الجمال والإبداع سوى رائعة " ثأر الله : الحسين ثائراً والحسين شهيداً " لزميله الكبير " عبد الرحمن الشرقاوي "
والتي صدرت في جزئها الأول " الحسين ثائراً " في الفترة نفسها من عقد الستينيات ، وتحديداً في عام ١٩٦٩ ، لكنها لم تّرىّ النور على مسرح الدولة ،
حيث إعترض بعض شيوخ الأزهر الشريف في عقد السبعينيات من القرن الماضي على تجسيدها على خشبة المسرح القومي ، ومن يومها ظلت حبيسة النص المنشور ، والصادر آنذاك عن دار الهلال المصرية !......
هذه الأعمال الإبداعية الرائدة ، والتي تناولت التاريخ الإسلامي في جوانبه الثورية والتقدمية والطليعية هي جوهرة التاج في تاريخ الفكر والإبداع العربي والإسلامي ،
أعمال رائدة بحق لا يفخر بها مبدعوها ، سواء نثراً أو شعراً أو تمثيلاً أو اخراجاً فقط ، ولكن يفخر بها أيضاً ،
كل من أسّعدهُ الحّظ بأن شاهدها ، فبقدر مابقيت كلمات " الحلاج " في مأساته عن تعريف الفقر "... بأنه ليس الجوع الى المأكل أو العُريّ ، ولكن هو قتل الحبّ وزرع البغضاء وحصد الكراهية وإزهاق النفس وقتل الروح ..." ...
بقدر مابقيت تلك الكلمات مشاعل نور في كل نفس ...
كذلك بقيت كلمات " الحسين " في مأساته ، سواء أكان ثائراً أو شهيداً ، هادية لوجدان ونفس من قرأها وعاش معانيها وتمّثل أفكارها وقيمها ،
فالشّرقاوي يقول على لسان بطله " الإمام الحسين بن على "رضي الله عنه وأرضاه ، سيد شهداء شباب أهل الجنة ،
عندما أرادوا انتزاع صوته ليبايع " يزيد بن معاوية بن أبي سفيان " خليفةً على المسلمين ، مُهونّين عليه الأمر بأنه غير مُطالَب سوى بكلمة ، يبايع فيها الخليفة المُغتٍصب وينتهي الأمر ! ....
إلا أنه يُسمع مُطالبي البيعة الزائفة معني الكلمة وقيمتها ، فيقول :
" أتعرفون معنى الكلمة ؟
مُفْتاح الجنة في كلمة ، ودخول النار على كلمة ، وقضاء الله هو الكلمة ...
الكلمة نور ، وبعض الكلمات قبور ، بعض الكلمات قلاع شامخة ، يعتصم بها النُبل البشري ... الكلمة فرقان بين نّبي وبّغي ، بالكلمة تنكشف الغُمة ، الكلمة نور تتبعه الأمة ..."
مسلسل " الخواجة عبد القادر " و " ماسأة الحلاج " و " ثأر الله : الحسين ثائراً والحسين شهيداً " جميعها تتحدث عن موضوع واحد ،
هو " حبّ الله ، وحب الناس " فالحلاج يتحدث عن الفقر والقهر ، والحسين يجسد الموقف الإنساني بمعنى الكلمة ، وكذلك " الخواجة عبد القادر " يتحدث عن الظُّلم والتضليل والطمع والغُلو والتشدد والكذب ...
غير أنهم جميعاً ماكان بمقدورهم مواجهة الفقر والقهر والضلالة سوى ب " الحبّ " ... فبالحب وحده ، يمكن مواجهة الطغيان ، وقهر الفقر ، وبناء النفس، ومعالجة الروح إذا اختلت الموازين وضاعت في متاهات الضلال ...
*********
" قواعد العشق الأربعون " ... هي واحدة من أهم ألأعمال الإبداعية التي تناولت هذا الموضوع ، الذي يربط على نحو رائع وجميل ومُدهش مابين " حب الله ، وحب الناس "
" ... فمن السهل أن تحبّ الله ، الذي يتصف بالكمال ، والنقاء ، والجمال ، والعٍصمة ... لكن من الأصعب من ذلك أن تُحب إخوانك من البشر بكل نقائصهُم وعيوبهم ....
تذكر أن المرء لا يعرف إلاّ ماهو قادر على أن يحبّ ، فلاٌ حكمة من دون حبّ .....
ما لم نتعلم كيف نحبّ الله ، فلن نستطيع أن نحبّ الله حقاً ، ولن نعرف الله حقاً ..."
تلك الرواية الرائعة عن مولانا " جلال الدين الرومي " وصديقه " شمس التبريزي " هي من أجمل وأعذب ما تقع عليه عينيك ويسعد بها عقلك وتسمو بها روحك ،
هي قطعة من الأدب الصوفي الجميل ، الذي يّٰرقى الى حدود الأدب الإنساني النادر ، فهي في مصاف الأعمال الأدبية الخالدة القادرة على تحويل المسار الأخلاقي والتربوي والديني والثقافي لمن يقرأ هذا العمل
، بعقل واعٍ وقلب طيب نبيل ، ونفس طيبة ، واستعداد فطري لأن يكون أفضل وأجمل وأرقى ... )
ملاحظة :
سبق أن نُشرت هذه المعالجة النقدية لتلك الراوية البديعة لمؤلفتها التركية " إليف شافاق " خلال شهر رمضان من العام الماضي ،
ووجدت نفسي مع الشهر المبارك لعامنا هذا مسوقاً الى اعادة النشر ، محبة في تلك الرواية من ناحية ، ومحبة لأصدقاء جُدد ، من ناحية أخرى ، جاء بهم هذا العام المُمتد من رمضان الماضي الى الشهر الكريم لهذا العام ...
ورمضان كريم ، وكل عام وحضراتكم بألف خير وصحة وسعادة .