الجاسوسية.. أسرار وألغاز الحلقة 23

شموئيل باروخ.. جاسوس في قلب إسرائيل نكاية بـ«الهستدروت»

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 2 أكتوبر 2024, 12:25:41 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

• رجل أعمال مفلس أنقذته المخابرات المصرية وجندته في سويسرا
• لم يكن محباً للعرب والمسلمين لكي يسهل تجنيده .. وثراء أسرته عقبة إضافية
• باءت محاولته بالنهوض من  إفلاسه بالفشل فطلب التعاون مع المخابرات المصرية 
• تجند في الجيش البريطاني وأصيب خلال الحرب العالمية الثانية وحصل على درجة رقيب أول 
• وفر للمخابرات المصرية موطئ قدم في الأوساط السياسية للدولة العبرية 
• خطة مصرية في أوائل الستينيات للاستثمار في شركة "واجهة" داخل إسرائيل 
• كان سامي باروخ يرسل تقاريره في أغلفة فضية مصنوعة من المعدن لكتب دينية 
• ارتابت فيه مواطنة  على صلة بالأمن وأبلغت السلطات عنه فتم الحكم عليه بالسجن 18 عاما  
 

عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار وتغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.

ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطورة الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان..
ولأهمية الجاسوسية أفردت لها الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية صفحاتها لتسجيل أغرب الحوادث وأندر الحالات، وهو ما حولت جمعه وطرحة بين يدي القارئ في هذه السلسلة "سلسلة الجاسوسية أسرار وألغاز ..  التي سبق أن نشرتها في جريدة النهار الكويتية في عام 2013 ولأهمية الموضوع ولحب الجمهور لقراءة ملفات المخابرات نعيد نشرها في موقع 180 تحقيقات ... خدمة لقراء الموقع الأعزاء إلى قلوبنا..  وذلك بمعدل حلقة أسبوعية .

وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.

ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم.

 

عالم الجاسوسية.. عالم غامض عجيب.. تكتنفه الأسرار وتغلفه الألغاز.. يمتلئ بالحوادث التي يصعب تصديقها.. ويندر أن تجول بخاطر أي إنسان.. لا تنتهي عجائب هذا العالم.. ولا تنضب أسراره.

ولا تزال سجلات المخابرات المصرية حافلة بالعديد من الجولات الناجحة التي خدعت فيها الموساد الإسرائيلي وتفوقت عليه وقضت على أسطورة الجهاز العبقري.. وكذبت شائعات الذكاء اليهودي الذي لا يهزمه احد أو يخدعه إنسان..
ولأهمية الجاسوسية أفردت لها الصحف والكتب والمواقع الإلكترونية صفحاتها لتسجيل أغرب الحوادث وأندر الحالات، وهو ما حولت جمعه وطرحة بين يدي القارئ في هذه السلسلة "سلسلة الجاسوسية أسرار وألغاز ..  التي سبق أن نشرتها في جريدة النهار الكويتية في عام 2013 ولأهمية الموضوع ولحب الجمهور لقراءة ملفات المخابرات نعيد نشرها في موقع 180 تحقيقات ... خدمة لقراء الموقع الأعزاء إلى قلوبنا..  وذلك بمعدل حلقة أسبوعية .

وفي هذه الحلقات نكشف خفايا هذه الملفات.. ونرفع الستار عن قصص جديدة وملفات مخفية شهدت صراعاً شرساً بين العقول.. ومواجهات حامية الوطيس بين المصريين والاستخبارات الإسرائيلية.. كانت أسلحتها الخطط المحكمة.. ومكائد مدبرة بعناية فائقة.. وسطر أبناء النيل بحروف من نور نجاحات مبهرة لعملاء أحسنت المخابرات المصرية تدريبهم.. ليتسللوا داخل المجتمع الإسرائيلي.. واستطاعوا بمهارة فائقة خداع أرقى المناصب. وأعلى الرتب في المجتمع الصهيوني ليحصلوا على أدق الأسرار.. وليكشفوا المستور.. وأماطوا اللثام عما يملكه الكيان المحتل من أسلحة وذخائر.. ونقلوا للقاهرة خرائط تفصيلية لمواقع وتحصينات جيش الاحتلال قبل معركة العبور المجيدة.

ولم يتوقف نجاح المخابرات المصرية على زرع عملاء داخل المجتمع الإسرائيلي وفي بيوت جنرالات جيش الصهاينة.. بل تمكن المصريون ببراعة فائقة من اصطياد جواسيس الأعداء و منعوهم من نقل الأسرار إلى تل أبيب.. وحجبوا عن الموساد المعلومات ووقعت جواسيسه تباعاً.. بل ونجحت المخابرات المصرية في تجنيد بعض جواسيس الموساد وجعلتهم عملاء للقاهرة وأرسلت من خلالهم رسائل خادعة إلى إسرائيل كان لها فضل كبير في خطط الخداع والتمويه التي مهدت لنصر أكتوبر العظيم.

 


قصة الجاسوس سامي باروخ أو شموئيل باروخ بالعبرية من أغرب قصص الجاسوسية لأنه كان يهودياً وطنياً محباً لبلده ويدافع عنه ويبغي له الخير، ويؤمن بكل ما يعتقده اليهود، ولم يكن محباً للعرب أو المسلمين لكي يسهل تجنيده، كما انه من أسرة ثرية وأبوه صيدلي، وعاش منذ صغره في الحي اليهودي للقدس لكن تعثره المالي و افلاسه وبيع مصنع النسيج الذي يمتلكه وكذلك رفضه لسياسات اتحاد العمال الهيستدروت في الكيان الصهوني أديا الى طلبه التعاون مع السلطات المصرية.

اسمه بالكامل شموئيل اسحق بن يديديا باروخ، من مواليد القدس العتيقة عام 1923، في مدينة القدس الحي القديم والده صيدلي والعائلة ثرية تعيش في الحي اليهودي بالقدس منذ مدة طويلة، درس في البلدة القديمة بالقدس ثم درس في المدرسة الزراعية بمنطقة برديس حنا،ثم انتقل للدراسة في كلية سانت جورج التابعة للكنيسة الانغليكانية ثم أنهي دراسته في معهد النسيج بمدينة مانشستر في بريطانيا، واندلعت الحرب العالمية الثانية وبعد مرور عامين تجند شموئيل باروخ في الجيش البريطاني ووصل الي رتبة رقيب أول وأصيب في المعارك وحصل علي عدة أوسمة وبعد الحرب في عام 1946 استكمل دراسته.

يديديا باروخ، يعمل صيدلانيا، رغم أنه ينتمي الى عائلة تجار معروفة لأجيال وأجيال وتعيش في الحي اليهودي، وكان هناك فرع آخر لنفس العائلة يسكن مصر، وفى عام 1938 خرجت عائلة شموئيل (سامي) باروخ خارج أسوار القدس القديمة لتفتح صيدلية في الحي التجاري بالقدس، وتقيم علاقات تجارية وطيدة مع مصانع في ايطاليا وانكلترا، وفى عام 1963 نجحت المخابرات المصرية في تجنيده ليعمل جاسوساً لصالحها داخل اسرائيل.

تعلم شموئيل (سامي) باروخ في القدس ثم درس لفترة معينة في مدرسة الزراعة في برديس حاناه، لكنه لم ينه دراسته هناك وعاد الى القدس ليلتحق بكلية سان جورج التابعة للكنيسة الانغليكانية، وقد أفادته دراسته للغة الانكليزية كثيراً في حياته بعد ذلك.

وبسبب العلاقات التجارية التى كانت تربط العائلة بانكلترا، تم ارسال سامي باروخ عام 1939 للحصول على دورات متقدمة في صناعة النسيج بمانشستر، لكن الحرب العالمية الثانية اندلعت، وبعد مرور عامين تجند سامي باروخ في الجيش البريطاني وأصيب خلال العمليات القتالية وحصل على درجة الرقيب أول والعديد من أنواط الامتياز.

لقب مهندس

في العام 1946بعد انتهاء الحرب العاملية الثانية، سجل نفسه لدراسة الهندسة في الكلية الفنية بلندن، لكنه لم ينجح في انهاء دراسته هناك، ورغم ذلك لم ييأس وانتقل من لندن الى ليدز، حيث أنهى بنجاح عام 1949 دراسته في النسيج وحصل على لقب (مهندس) الذي تاق اليه كثيراً.

بعد ذلك، أنشأ شموئيل (سامي) باروخ مصنعاً للنسيج في مانشستر ببريطانيا، وبمرور الوقت تعرف بابنة احدى العائلات اليهودية المعروفة في المدينة وتزوجها وأنجب منها ثلاثة أولاد، وبعد ما يقرب من عشر سنوات على افتتاح مصنعه في مانشيستر، قرر سامي باروخ نقله الى اسرائيل.

مصنع أرغدين

فى عام 1958، عاد الى اسرائيل مع زوجته وأولاده واستقر به المقام في تل أبيب، وأنشأ في منطقة (كيريات جت) مصنع نسيج باسم (أرغدين)، ورغم التصديقات الحكومية التى تسمح له بالاقتراض من البنوك، فان المصنع انهار تماماً في سبتمبر 1963، بعدما استثمر فيه سامي باروخ كل مدخراته، وخسر بذلك 600 ألف ليرة (حوالي 350 ألف دولار)، وأعلن الدائنون وبصفة خاصة بنك التنمية الصناعية افلاس المصنع، وقاموا ببيعه مع معداته لمصنع منافس هو (بولغات) موجود بنفس المنطقة ويملكه شخص يدعى يسرائيل بولاك.

لم يكن شموئيل (سامي) باروخ مجرد رجل أعمال اسرائيلي، ولكنه كان أيضاً ناشطاً سياسياً وقطباً من أقطاب حركة سياسية جديدة في ذلك الوقت في اسرائيل وهى حركة (اسرائيل الفتاة) التى أسسها اسحق عمانويل، بهدف تدعيم مكانة اليهود الشرقيين (السفارديم) داخل المجتمع الاسرائيلى، وتم تعيينه رئيسا للجنة المالية للحركة وكانت هذه الحركة تعد نفسها للاشتراك في انتخابات رؤساء البلديات عام 1965 وكذلك الانتخابات السادسة للكنيست الاسرائيلي وكان باروخ يرغب بشدة في دخول الكنيست كعضو منتخب.

إفلاس وإحباط

وجاء افلاس سامي باروخ مع نشاطه السياسي ليزيد من الشعور بالاحباط والغضب لديه تجاه المؤسسة الحاكمة والنظام الاشتراكي لحزب (مباى) وحركة العمل.

وفى اللقاءات الجماهيرية للحركة وكذلك في أحاديثه الجانبية مع الأصدقاء، أخذ باروخ ينتقد اتحاد العمال الاسرائيلي (الهستدروت) بشدة ويحمله المسؤولية عن انهيار أعماله وافلاس مشروعه.

وترافق انهيار أعماله مع بداية تدهور حياته العائلية أيضاً، فقد وقع باروخ في غرام شولاه عنتيبى، وهى مطلقة جميلة وأم لولدين، وتوطدت العلاقة بينهما، ورغم ذلك وبعدما أخذوا المصنع منه عام 1963، سافر سامي باروخ وزوجته وأبناؤه الثلاثة الى سويسرا بهدف جمع الأموال لاستعادة مصنعه وأعماله في اسرائيل، وأقاموا لفترة من الوقت عند شقيقته وابنها في جنيف، وفى مرحلة معينة تركته زوجته وهربت الى أقرباء لعائلتها في الدنمارك وتخلت عنه وعن أولادها الثلاثة.

التجنيد في برن

وبعدما تأكد له أن ابن شقيقته لايمكنه ولا يرغب في مساعدته مادياً لاستعادة مصنعه وأعماله، قرر سامي باروخ أن يحصل على المال المطلوب من مصدر آخر، وهو أن يعرض خدماته للعمل كجاسوس، وفى أكتوبر 1963 اتصل بالقنصلية المصرية في جنيف التى أحالت موضوعه للملحقية العسكرية بالسفارة المصرية في برن، وكانت المخابرات المصرية حاضرة بالطبع، حيث قام ضباط المخابرات باستجوابه لعدة ساعات، وبعد أن علمت المخابرات العامة المصرية من باروخ تفاصيل حياته بالكامل حالته المالية المتدهورة.. وبعدما طلب رجل الأعمال الاسرائيلي المساعدة المالية وفى المقابل أعرب عن استعداده لتزويد المصريين بكافة المعلومات المطلوبة عن اسرائيل، وعده ضابط المخابرات المصري بتوفير المال اللازم، لكنه عرض عليه أولاً أن يسافر الى القاهرة لاستكمال بعض الأمور، فوافق باروخ على الفور. وقام ضابط المخابرات بمرافقته الى مطار زيوريخ، حيث التقيا هناك باثنين آخرين يعملان بالمخابرات المصرية أخذا منه جواز سفره الاسرائيلي وأعطياه جواز سفر مصري.

واستقل باروخ والاثنان الطائرة المصرية التابعة لشركة (الطيران العربية المتحدة) وبعد حوالي أربع ساعات هبطوا في مطار القاهرة الدولي.

فى القاهرة كان في انتظارهم ضباط آخرون من المخابرات المصرية، أنهوا كل شيء من جوازات وخلافه بسرعة فائقة واصطحبوا شموئيل (سامي) باروخ الى فيلا خاصة في احدى ضواحي العاصمة المصرية، ولمدة أسبوع كامل حل رجل الأعمال الاسرائيلي ضيفاً على المخابرات المصرية.

فى تلك الفترة طُلبت المخابرات المصرية من سامي باروخ أن يكتب تقريراً تفصيلياً عن تاريخ حياته وكل ما يعرفه عن اسرائيل، وهو اجراء روتينى تطلبه كل أجهزة المخابرات من أي مرشح للعمل لصالحهم، وكرر ضباط المخابرات المصرية وعدهم الذي أعطوه له في سويسرا وقالوا انهم سينشؤون في أوروبا صندوقاً مالياً يستثمر في مصنع النسيج ويوقفه على قدميه، ومن هذا الصندوق سوف يشتري سامي باروخ الماكينات والمعدات اللازمة، ولكي يقوم بتركيب هذه الماكينات والمعدات عليه الاستعانة بفنيين من أوروبا، وهؤلاء الفنيون ما هم الا رجال مخابرات من ألمانيا الشرقية، وتحت غطاء العمل في المصنع سوف يقومون بجمع المعلومات عن اسرائيل ويتصلون بدورهم بادارة المخابرات في مصر.

خطة طموحة

وكان هذا العرض جزءاً من خطة طموحة للمخابرات المصرية في أوائل الستينيات، بغرض الاستثمار في مشاريع صناعية وسياحية وشركات تجارية داخل اسرائيل عن طريق شركات أوروبية تعمل كـ(واجهة) لنشاط استخباري مصري في اسرائيل، وقد استمرت المخابرات المصرية في العمل بهذه الخطة حتى بعد كشف سامي باروخ. فكما هو معروف، أقام جاك بيتون (رأفت الهجان) الذي كان عميلاً للمخابرات المصرية في اسرائيل مشروع وكالة السفريات بتمويل من المخابرات المصرية.

ومن بين الشخصيات الاستخباراتية المصرية التى برزت في تلك الفترة كان حسن عبدالمجيد عبدالفتاح، الذي ترأس بعثة المخابرات في أوروبا والتي كانت تدير العمل من لندن بالتنسيق مع الفروع والمحطات في باقي الدول الأوروبية، وعلى حد قول واحد من كبار رجال الموساد الاسرائيلى في تلك الفترة عمل حسن عبدالمجيد على تجنيد العملاء في اسرائيل وعلى ادخالهم اليها وتشغيلهم وتوجيههم.

وقد كتب دافيد رونين، الذي كان مديراً للملف الجنوبي (مصر والأردن) في قسم مكافحة التجسس العربي، وأصبح فيما بعد نائباً لرئيس الشاباك، عن (عبد الواحد) رئيس بعثة المخابرات المصرية في أوروبا أنه كان قريب الشبه من حسن عبدالمجيد في ذكائه ودهائه.

ولمجابهة الخطر المحدق بهم من قبل حسن عبدالمجيد ورفاقه، توصل كبار العاملين في الخدمات الأمنية الاسرائيلية في الموساد الى قرار ب (تحييد) عبدالمجيد، فتم طرح فكرة تصفيته جسدياً، ولاسرائيل سابقة في ذلك، عندما قامت المخابرات العسكرية (أمان) عام 1956 بقتل العقيد مصطفى حافظ، رئيس المخابرات العسكرية المصرية في قطاع غزة.

لكن تم رفض هذه الفكرة فما كان مسموحاً به في الخمسينيات على الحدود مع مصر لم يعد مسموحاً به في الستينيات خوفاً من الفشل ونتائج ذلك على أرض أوروبية، ولذلك تم طرح فكرة محاولة تجنيده للعمل لصالح المخابرات الاسرائيلية.

وبعد اجتماعات ومداولات مطولة بحضور ممثلين عن المخابرات العسكرية (أمان) وخدمات الأمن العام (شاباك) والمخابرات الاسرائيلية (موساد)، وتقرر تكليف طاقم من الموساد بتعقب حسن عبد المجيد وأن يتعامل معه مباشرة باتباع أسلوب الصدمة.

وبعد تعقب ومتابعة وجمع معلومات عن عبدالمجيد تم ارسال ضابط الموساد لمقابلته وجها لوجه، بحيث يبدو اللقاء كمصادفة في أحد مطارات أوروبا، وكان عبد المجيد ينتظر طائرته ويقضي الوقت في تصفح الجرائد ونتناول المشروبات السخنة في الترانزيت، عندما جلس بجواره ضابط الموساد، وبعد فترة قصيرة توجه اليه قائلاً: أنا مندوب الموساد، ونحن على استعداد لأن نعرض عليك نصف مليون دولار اذا ما وافقت على العمل لصالحنا، وعلى عكس ما كانوا يأملونه أو يتوقفونه في الموساد، لم يفقد رجل المخابرات المصري هدوءه ورد بصورة حادة وقاطعة : وأنا أعرض عليك مليون دولار لكي تعمل لصالحي، وعلى الفور نهض ضابط الموساد من مكانه وهو يشعر بالخزي وسارع بمغادرة المكان.

موطئ قدم

أما الذى جذب المخابرات المصرية لحالة شموئيل (سامي) باروخ فلم يكن مصنعه المفلس للنسيج، انما أيضاً حقيقة أنه ناشط سياسي في حركة (اسرائيل الفتاة) رغم أنها كانت حركة ضعيفة وغير مؤثرة، ذلك لأن عميلاً للمخابرات المصرية داخل حركة سياسية سوف يمنح القاهرة موطئ قدم وتذكرة دخول للسياسة الاسرائيلية، ومثل هذا العميل يمكنه أن يساعد المخابرات المصرية في تقديرها للموقف السياسي داخل اسرائيل، وعلاقات القوى بين الأحزاب المختلفة، وما يقال عن الشخصيات السياسية ويعطيها القدرة على فهم هذه الشخصيات عن قرب، وبصورة غير مباشرة، يمكنها عن طريق مثل هذا العميل أن تحاول التأثير في التطورات السياسية اذا ما تحسن مركزه وازدادت شعبيته بمرور الوقت.

العودة إلى إسرائيل

وبعد أسبوع من الاستجواب المطول في القاهرة، تمت اعادة سامي باروخ الى روما ومنها طار الى جنيف، وفى 20 أكتوبر 1963 عاد الى اسرائيل ليدخل العمل الفعلي على الفور، ووفقاً لتعليمات ضباط المخابرات المصرية الذين يقومون بتشغيله، بدأ يركز في جمع المعلومات عن الأهداف التى حددوها له، فقام بكتابة التقارير عن الأوضاع الاقتصادية في اسرائيل وعن الدبابة الجديدة التي بدأت عملها في الجيش الاسرائيلى.

ورغم أن سامي باروخ لم يتم تجنيده في الجيش الاسرائيلى النظامي لأنه عاد من انكلترا في سن متأخرة بعض الشيء (كان في الخامسة والثلاثين) ولأنه أيضاً أصيب أثناء خدمته في الجيش البريطاني، لكنه التحق بقوات الاحتياط بالجيش الاسرائيلى وشارك في العديد من المناورات العسكرية.

وكان سامي باروخ يبعث بتقاريره في أغلفة فضية مصنوعة من المعدن لكتب دينية وكتب صلوات كان يرسلها مع أقرباء وأصدقاء من رجال الأعمال المسافرين الى الخارج، بحجة أن هذه الكتب عبارة عن هدايا لمناسبات عائلية، وهي في حقيقة الأمر مرسلة لعناوين تابعة للمخابرات المصرية في ايطاليا وسويسرا، كما قام بارسال خطابات الى عنوان غطاء تابع للمخابرات المصرية في روما.

وقدم معلومات اقتصادية وسياسية مهمة من خلال اتصالاته ومعارفه لعدة سنوات، الا أن رعونته وثقته الزائدة في نفسه أدت الى القبض عليه.

الاكتشــاف

أما كيف تم اكتشافه فالحقيقة أن الشاباك اكتشف ذلك بالصدفة البحتة، فقد ارتابت فيه مواطنة اسرائيلية مدربة أمنياً و سارعت بنقل المعلومة الخاصة بما شاهدته الى مركز الشرطة بمجرد وصولها الى اسرائيل، ومن الشرطة انتقلت المعلومة الى قسم مكافحة التجسس العربي.

وألقيت مسؤولية متابعة الحالة على ضابط الشاباك شلومو غ.، وهو من كبار ضباط القسم، وبتوجيهات من ضابط الحالة (Case officer) بدأ رجال الشاباك في تعقب سامي باروخ والتنصت على محادثاته التليفونية، واكتظت الصفحات بالتفاصيل الخاصة بلقاءات سامي باروخ الحميمية مع عشيقته شولاه عنتيبى، في احدى الشقق في بتاح تيكفاه. واتضح في النهاية أن عنتيبى لم يكن لها أي دخل بأعمال التجسس التى قام بها العميل سامي باروخ. وبعد التحقيق السريع معها تم اطلاق سراحها.

وعندما تم كشفه والقاء القبض عليه في ميناء حيفا وهو يستعد للسفر الى الخارج، قام ضابط الموساد الاسرائيلى أرييه (فشوش) هدار، وباقي المحققين بمصادرة حقيبتين كانتا في حوزته تحويان خطابات مشفرة ومجلات وجرائد بالعبرية.

وعند محاكمته في القدس، أدانته المحكمة برئاسة القاضي تسفى عيلى باكار، في يناير 1965 بالتآمر لتسليم معلومات للعدو، وتسليم أخبار للعدو والاحتفاظ بمعلومات بغرض الاضرار بأمن اسرائيل، وحكمت عليه بالسجن لمدة 18 عاما، وفى مايو 1965 رفضت المحكمة العليا في اسرائيل برئاسة القاضي موشيه زيلبرغ، استئنافه وصدقت على الحكم، وبعد اطلاق سراحه من السجن بعد قضاء حوالي عشر سنوات، لم يعرف مصيره، وتردد أنه غادر اسرائيل الى مكان غير معلوم ولا يعلم أحد أين اختفى أو ما اذا كان حياً حتى اليوم.
 

 

المصادر

جريدة النهار الكويتية 

رابط الـــ pdf

https://www.annaharkw.com/Resources/PdfPages/2013-07-27/P12.pdf

التعليقات (0)