- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
زيارة الأسد لأبوظبي.. الإمارات ترسخ نظاما جديدا للشرق الأوسط
زيارة الأسد لأبوظبي.. الإمارات ترسخ نظاما جديدا للشرق الأوسط
- 26 مارس 2022, 1:40:42 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"تعكس تأكيدًا إقليميًا جديدًا لقادة الإمارات العربية المتحدة، يتحدى الشركاء القدامى في الغرب، ومحاولة لترسيخ استقرار الاستبداد في جميع أنحاء المنطقة".. هكذا وصفت الباحثة "سينزيا بيانكو" والباحث "جوليان بارنيس داسي"، الزيارة الأخيرة لرئيس النظام السوري "بشار الأسد" إلى أبوظبي.
وذكر الباحثان، في تحليل نشره الموقع الرسمي للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن زيادة ثقة الإمارات بسياستها الخارجية تعود إلى تصور مفاده أن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة وتشتت انتباهها تمامًا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وفي إطار ما يعتبره القادة الإماراتيون "الاختبار الأول للنظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب"، فإنهم منخرطون في عمليات تحوط شديدة، أبرز معالمها رفضهم لدعم أوروبا والولايات المتحدة بنشاط في مواجهة روسيا، وسعيهم وراء مصلحتهم الذاتية الضيقة دون القلق بشأن ما إذا كان هذا يتعارض مع الغرب.
وساهم في اعتماد قادة الإمارات هذه السياسة أن الدول الغربية لم تكن راغبة في اتخاذ نهج أكثر صرامة تجاه الحوثيين في اليمن، حتى بعد أن شنوا هجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على أبوظبي في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2022.
ويبرز التوقيت الدقيق لزيارة "الأسد" إلى أبوظبي، بالتزامن مع الحرب في أوكرانيا والذكرى الحادية عشرة للانتفاضة السورية، عمق تجاهل الإمارات للمخاوف الغربية، بما يتماشى مع السياسة الإماراتية تجاه سوريا في السنوات الأخيرة.
فالإمارات تبنت فكرة إعادة تأهيل نظام "الأسد" منذ 2018 على الأقل، عندما أعادت فتح سفارتها في دمشق.
ومنذ ذلك الحين، تحدث الزعيم الفعلي للإمارات "محمد بن زايد" إلى "الأسد" هاتفيا، في مارس/آذار 2020، وعرض على دمشق المساعدة في مكافحة جائحة كورونا.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، التقى وزير الاقتصاد والتجارة السوري "محمد سامر الخليل" مع نظيره الإماراتي "عبدالله بن طوق المري" في معرض إكسبو بإمارة دبي. كما التقى وزير الخارجية الإماراتي "عبدالله بن زايد" رئيس النظام السوري بدمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
وفي السياق، تعمل الإمارات بهدوء مع شركاء إقليميين، مثل مصر، لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية.
وزيارة "الأسد" هي الأولى له إلى دولة عربية منذ بدء الانتفاضة السورية، وتمثل مستوى جديد لسياسة الإمارات الخارجية، يتمثل في اتجاه أبوظبي لإعادة دمج النظام السوري دون "أي تنازلات سياسية أو إنسانية"، بعد أن عرّض السوريين لعنف وحشي لأكثر من عقد من الزمان.
وفي هذا الصدد، تتجاهل أبوظبي مخاوف الشركاء الأمريكيين والأوروبيين، الذين يعارضون بشدة مشاركة غير المشروطة لنظام "الأسد".
ويرى "بيانكو" و"داسي" أن احتضان الإمارات لـ"الأسد" يعد أمرا أساسيا لتصور أبوظبي لبناء نظام إقليمي جديد يهدف إلى الحفاظ على استقرار الإمارات ونفوذها.
وأوضح الباحثان أن سوريا لاتزال منطقة نفوذ لقوى مثل تركيا وإيران وروسيا، وتريد الإمارات أن تكون في قلب المعادلة وتتنافس مع خصومها الإقليميين لضمان أن تلعب دورًا في تشكيل مسار سوريا مستقبلا.
فمن وجهة نظر إماراتية، يمكن أن تتناسب إعادة تأهيل نظام "الأسد" مع صفقة كبرى بشأن الأمن الإقليمي مع إيران، التي تعد الداعم الرئيسي لرئيس النظام السوري، وبهذه الطريقة، يمكن للإمارات أن تخفف من خطر وقوع مزيد من الهجمات من قبل الحوثيين المدعومين من إيران.
لكن الإماراتيين لديهم أيضًا أهداف أخرى في سوريا، تتعلق باستراتيجية الدولة التجارية الجديدة، إذ يمكن أن تضع هذه الاستراتيجية الإمارات في قلب تدفقات التجارة والطاقة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، خاصةً إذا كان بإمكان الدولة التحكم مباشرة في اتصالاتها بشرق البحر الأبيض المتوسط، الذي تحتل سوريا موقعا استراتيجيا فيه.
ففي أوائل عام 2019، أنشأت شركة موانئ دبي العالمية العملاقة ممرا بطول 2500 كيلومتر يمتد من ميناء جبل علي في دبي إلى معبر نصيب جابر الحدودي بين الأردن وسوريا.
ولذا تأمل الإمارات في الحصول على ميزة أن المحرك الأول لخطوط التجارة ونقل الطاقة عبر إصلاح علاقتها مع النظام السوري؛ لتعظيم مكاسبها الاقتصادية.
وفي هذا الإطار، أظهرت الإمارات استعدادا لامتصاص الازدراء الغربي لخطوة استقبال "الأسد"، ففي حين انتقدت الإدارة الأمريكية زيارة الرئيس السوري، كانت أغلب ردود الأفعال الدولية غائبة، ما يعكس التركيز الحالي على حرب أوكرانيا والحاجة إلى الدعم الإماراتي في سوق الطاقة.
ومع ذلك، يرى "داسي" و"بيانكو" أن الإماراتيين يبالغون، مع ذذلك، إذا قللوا من التأثير طويل المدى لسياستهم على المشرعين الأمريكيين خصوصا، وعلى شركائهم في باريس أيضًا، وراهنوا فقط على حماية الضرورات الاستراتيجية المرتبطة بروسيا وأمن الطاقة لهم.
فالمزاج السياسي في الغرب بدأ في التحول ضد دول الخليج العربية، التي ترفض دعم الغرب على الرغم من استفادتها الطويلة من ضماناتها الأمنية، حسبما يرى الباحثان، اللذين أشارا إلى أن بعض المشرعين الأمريكيين يتحدثون عن احتمالية فرض عقوبات مرتبطة بسوريا على الدول الإقليمية التي تعاود التعامل مع "الأسد" بموجب قانون قيصر لعام 2019، خاصة إذا استعاد الجمهوريون السيطرة على الكونجرس في وقت لاحق من هذا العام.
غير أن "داسي" و"بيانكو" يعتبران أن زيارة "الأسد" إلى أبوظبي بمثابة "مسمار آخر في نعش سياسة الغرب تجاه سوريا"، خاصة بعد أن كافحت الحكومات الغربية منذ فترة طويلة لمواءمة نهجها مع البلاد مع الواقع على الأرض، دون حدوث انتقال سياسي.
لقد فشل الغرب في دفع الحلفاء الإقليميين، مثل الإمارات، لاستخدام علاقاتهم في تأمين تنازلات، ولو منخفضة المستوى، من نظام "الأسد"، بينما لا يزال السوريون يكافحون من أجل البقاء في ظروف يائسة وغير مستقرة.
وهذا يسلط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الجهات الفاعلة إقليميا والحكومات الغربية، في إطار نظام جديد آخذ في التشكل بالشرق الأوسط.