تقرير : أزمات المواقع الصحفية والمحجوبة

profile
  • clock 10 يونيو 2021, 5:55:07 م
  • eye 835
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

 إعداد وتحرير: وحدة الرصد والتوثيق بمؤسسة حرية الفكر والتعبير

اعتمدت هذه الورقة على تحليل القوانين المتعلقة بتنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. كما تم استخدام البيانات الرسمية الصادرة عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والمنشورة على موقعه الرسمي، والتي وثقتها وحدة الرصد والتوثيق بالمؤسسة. إضافة إلى ذلك، اعتمدت الورقة على تصريحات مسؤولين بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وتقارير منشورة بالصحف. فضلًا عن إجراء أربع مقابلات هاتفية مع القائمين على أربعة مواقع صحفية، ثلاثة منها مواقع محلية خاصة والرابع موقع حزبي، تقدم جميعهم لطلب الترخيص/توفيق الأوضاع إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام منذ شهر أكتوبر ٢٠١٨، بهدف الوقوف على آخر المستجدات بشأن ملف ترخيص المواقع الصحفية.

في نهاية إبريل الماضي أقام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، احتفاليتين، لتسليم أغلب المواقع الصحفية القومية[1] وعدد من المواقع الصحفية الخاصة[2]، شهادات اكتمال الترخيص. في إطار عملية توفيق أوضاع المواقع الصحفية الإلكترونية التي تصدر في مصر، تطبيقًا لقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ ولائحته التنفيذية ولائحة التراخيص التي أصدرها المجلس العام الماضي بقرار رقم٢٦ لسنة ٢٠٢٠.

مقدمة 

اتسمت إدارة عملية توفيق أوضاع المواقع الصحفية من قِبَل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، سواء في تشكيله الحالي أو السابق، بعشوائية وتخبط كبيرين، فضلًا عن انتقائية وتسييس فيما يخص تجاوب المجلس الأعلى مع طلبات الترخيص المقدمة إليه من المواقع المختلفة، رغم استيفاء جميع تلك المواقع كافة شروط الترخيص الصادرة عن الأعلى للإعلام. ويمكن القول إن كافة المواقع التي تقدم محتوًى يشتبه بمعارضته أو انتقاده السياسات القائمة أو محاولة البحث أو التقصي عن رواية بديلة لرواية الحكومة الرسمية بشأن أي حدث، قد قرر المجلس الأعلى تجاهل طلبات الترخيص الخاصة بها، وترك موقفها القانوني معلقًا، بحيث تبقى مهددة طوال الوقت بالملاحقات الأمنية بدعاوى عدم الحصول على رخصة مباشرة العمل، رغم مرور أكثر من عامين ونصف على تقدم تلك المواقع للمرة الأولى إلى المجلس الأعلى للحصول على الرخصة اللازمة لتوفيق أوضاعها.

التمييز بين المواقع الصحفية الإلكترونية يكون بالأساس وفقًا لطبيعة المحتوى المقدم، وكذلك ماهية القائمين عليه. ففي الوقت الذي أصدر فيه الأعلى للإعلام قرابة ٤٠ شهادة اكتمال ترخيص لصالح مواقع صحفية خاصة، كان من بينهم موقع القاهرة ٢٤، تجاهل المجلس طلبات ١١٠ مواقع أخرى، يرغبون في توفيق أوضاعهم، وشملت تلك القائمة مواقع: مصر العربية، مدى مصر، المنصة، ودرب، وغيرهم كثير.

يحاول هذا التقرير تتبع عملية توفيق أوضاع المواقع الصحفية الإلكترونية بهدف الوقوف على سياسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في إدارة وتنظيم إصدار تراخيص مزاولة النشاط الصحفي للصحف الإلكترونية. وذلك من خلال قراءة نصوص قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ ولائحته التنفيذية رقم ٤١٨ لسنة ٢٠٢٠ وكذلك لائحة التراخيص التي أصدرها المجلس برقم ٢٦ لسنة ٢٠٢٠.

تخبط وعشوائية في إدارة عملية توفيق أوضاع المواقع الصحفية

منذ بدايتها، اتسمت عملية إدارة وتنظيم منح تراخيص مزاولة النشاط للمواقع الصحفية الإلكترونية بالعشوائية والتخبط، ويعود السبب في ذلك إلى الإرادة السياسية الراغبة في مد مظلة التنظيم القانوني ليشمل كافة أشكال المحتوى الصحفي أو الإعلامي الذي تنتجه الوسائط الرقمية الحديثة، التي لم يهتم المشرِّع بتنظيمها على أي وجه قبل إصدار قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في أغسطس ٢٠١٨، حيث لم تنعكس تلك الإرادة في إطار قانوني متماسك ينظم تملك وإصدار الصحف الإلكترونية، ما جعل سياسة التعامل مع تلك المواقع تتسم بالتخبط الشديد.

كانت البداية مع دستور ٢٠١٤ الذي استخدم لأول مرة مصطلحات، مثل: (وسائط الإعلام الرقمي والصحف الإلكترونية) حيث نصت المادة ٧٠ من الدستور على: “حق المصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، في تملك وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، ووسائط الإعلام الرقمي. وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذي ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعي والمرئي والصحف الإلكترونية”.

وكما يتبين من نص المادة، فإن إنشاء الصحف الورقية يكون بمجرد الإخطار، بينما ألزمت المادة الصحف الإلكترونية بالحصول على ترخيص مسبق من الجهة الإدارية لمزاولة النشاط. كذلك تضمنت المادة ٧١ من الدستور الحماية الدستورية للصحف ووسائل الإعلام، حيث حظرت فرض أي رقابة عليها أو مصادرتها أو إغلاقها أو وقفها، إلا في زمن الحرب أو أوقات التعبئة العامة فيجوز فرض رقابة محددة عليها. ويتبين من نص المادة أن مظلة الحماية الدستورية لم تمتد لتشمل الصحف الإلكترونية ووسائط الإعلام الرقمي.

يبدو أن التمييز بين الصحف الورقية والإلكترونية على مستوى شروط الإصدار وكذلك الحماية الدستورية، نابع من ارتباك في صياغة النص الدستوري، هذا الارتباك كان نتيجة مباشرة للإرادة السياسية الراغبة في وضع الصحافة والإعلام الرقميين داخل الإطار القانوني الناظم للصحافة والإعلام، حتى يسهل السيطرة بالأساس على المحتوى الذي يخرج إلى جمهور المواطنين. وتحديدًا عبر الوسائط الرقمية التي مثلت المنفذ الأخير للتعبير الحر عن الرأي وتداول المعلومات وتقصي الحقائق والبحث عن الروايات البديلة. خاصة أن السنوات التي تلت وضع الدستور مباشرة شهدت عمليات واسعة، متصاعدة وممنهجة، لتأميم سوق الإعلام المرئي والصحافة المطبوعة لصالح الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، والتي تعود ملكيتها إلى جهاز المخابرات العامة المصرية.

مع تزايد عداء السلطات المصرية للإنترنت بشكل عام ومنصات الصحافة والإعلام الرقمية بشكل خاص، قامت جهة حكومية غير معلومة منذ مايو ٢٠١٧، ودون أي قرارات قضائية أو سند من القانون، بحجب عشرات المواقع الصحفية[3] التي بلغ عددها حسب آخر رصد قامت به مؤسسة حرية الفكر والتعبير، 124 موقعًا. واستمرت ملاحقة تلك المواقع عبر حجب الروابط البديلة التي تستحدثها لتمكين جمهورها من الوصول إليها، فضلًا عن حجب مئات المواقع التي توفر بدائل تقنية للمستخدمين من أجل تجاوز الحجب، مثل: مواقع proxy وvpn.

وبسبب الآثار المدمرة للحجب على المواقع الصحفية، وأهمها الآثار الاقتصادية التي تعرقل قدرة تلك النماذج الاستثمارية على الاستمرار. أعلن عدد من المواقع الصحفية، بالفعل، التوقف عن العمل وتسريح العاملين بسبب عدم قدرتهم على تجاوز تلك الآثار[4]. فضلًا عن استمرار المداهمات الأمنية لمقار تلك المواقع والملاحقات القضائية بحق القائمين عليها والعاملين بها من صحفيين.

تم تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لأول مرة فى إبريل 2017، استنادًا إلى نص قانون التنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام رقم ٩٢ لسنة ٢٠١٦ والصادر في ديسمبر ٢٠١٦. ومع صدور القانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أعيد تشكيل المجلس في يناير٢٠٢٠ وفقًا للقانون الجديد.

أربعة قوانين وأربعة لوائح تعاقبت على تنظيم الصحافة والإعلام خلال السنوات السبع الماضية، منذ إقرار الدستور في ٢٠١٤ وحتى إقرار آخر لائحة تنفيذية رقم ٤١٨ لسنة ٢٠٢٠. وهي الفترة التي اتسمت بالارتباك التشريعي وعدم وضوح الأطر القانونية الناظمة لعمل المواقع الإلكترونية. وهو ما تظهره سياسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تجاه ملف ترخيص/توفيق أوضاع المواقع الإلكترونية خلال السنوات الثلاث الأخيرة.

بعد عام ونصف من إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أصدر مجلس الوزراء اللائحة التنفيذية للقانون والتي حملت رقم ٤١٨ لسنة ٢٠٢٠، وفي أغسطس ٢٠٢٠ أصدر الأعلى للإعلام القرار رقم ٢٦ لسنة ٢٠٢٠ بشأن إصدار لائحة التراخيص. وبذلك اكتمل البناء القانوني الحاكم لتملك وإصدار وإدارة الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والرقمية.

وتُلزم  اللائحة  كافة المواقع بـ”توفيق أوضاعها القانونية” خلال ستة أشهر من تاريخ صدور اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الإعلام، والتي تنتهي في منتصف شهر أغسطس ٢٠٢٠، وقد مدد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هذه المهلة لمدة ثلاثة أشهر تنتهي في منتصف نوفمبر ٢٠٢٠ ومُددت لمرة أخيرة لفترة تنتهي في مارس ٢٠٢١ وقد تقدم عدد من المواقع مرة أخرى بطلب توفيق الأوضاع إلا أنه لم تصدر قرارات حتى الآن برفض أو قبول طلبات الترخيص، وما زال هذا الموقف مُعلقًا وغير واضح.

عقب إقرار قانون تنظيم الإعلام تصاعدت المُشكلات الإجرائية المُتعلقة بتنظيم ملكية وإدارة المواقع الإلكترونية بشكل عام والحصول على تراخيص المواقع الصحفية على سبيل التحديد، فبعد شهرين من إقرار قانون تنظيم الإعلام، نشر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في شهر أكتوبر ٢٠١٨ إعلانًا موجَّهًا إلى مديري المواقع المصرية ، بضرورة “تقنين أوضاعهم القانونية”، وذلك من خلال التقدم بطلب ترخيص الموقع والمُستندات اللازمة لذلك، وسداد الرسوم المُقررة والتي تم تحديدها بمبلغ خمسين ألف جنيه، وقد وضع المجلس مُهلة قانونية لتقديم الطلب امتدت إلى منتصف شهر نوفمبر، وخلال هذه الفترة تقدم ما يقرب من ١٥٠ موقعًا بطلب الحصول على الترخيص، وافق المجلس على أربعين طلبًا من الطلبات المُقدمة إلا أنه لم تصدر أية بيانات توضح أسماء المواقع التي تم منحها الترخيص، أو التي تم رفضها[5].

أدى الارتباك التشريعي خلال تلك الفترة إلى غياب الاستقرار عن تشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حيث ظل رئيس المجلس السابق مكرم محمد أحمد ومجلسه، في مواقعهم رغم وقف العمل بالقانون المنظم لتشكيلهم ٩٢ لسنة ٢٠١٦ بعد إصدار القانون رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ ولم يصدر التشكيل الجديد للهيئات الإعلامية سوى مطلع عام ٢٠٢٠. خلال تلك الفترة أيضًا، استُحْدِث منصب وزير دولة لشؤون الإعلام وتولى مسؤوليته الكاتب الصحفي أسامة هيكل، قبل أن يتقدم باستقالته مطلع إبريل من هذا العام، ولم تخلُ فترة ولايته من صراع مستمر على السلطات والصلاحيات مع مجلس مكرم تحديدًا[6]. كانت النتيجة المباشرة لكل ذلك تخبطًا وعشوائية كبيرين في إدارة وتنظيم ملف ترخيص/توفيق أوضاع الصحف الإلكترونية.

انتقائية وتسييس.. المعايير الحاكمة لعمل لجنة التراخيص

 “تقدمنا بطلب لترخيص الموقع للمرة الأولى في ٢٠١٨، وكنا ضمن أوائل المواقع التي تقدمت للحصول علي الترخيص. لم تواجهنا أية عقبات خلال عملية التقديم وحتى الحصول على شهادة اكتمال الترخيص، إلا أن الأمور الإجرائية استغرقت ثلاث سنوات تقريبًا. طلب المجلس خلال تلك الفترة بعض الاستيضاحات، فضلًا عن استكمال بعض الأوراق والبيانات، ومنحنا ورقة مبدئية تفيد بحقنا في ممارسة العمل، إلى حين صدرت اللائحة التنفيذية وتم استكمال الأوراق، حصلنا على الترخيص مباشرة”.

تامر إبراهيم مدير تحرير موقع القاهرة ٢٤قال :

“تقدمنا بطلب الحصول على الترخيص للمرة الأولى في ٢٠١٨، قبل صدور اللائحة التنفيذية، كان ذلك متزامنًا مع اقتحام السلطات الأمنية مقر الموقع واعتقال رئيس التحرير، الكاتب الصحفي عادل صبري. كان السبب المعلن لاقتحام الموقع حينها عدم الحصول على التراخيص اللازمة لمزاولة النشاط. توجهنا إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لطلب الحصول على الترخيص، في البداية رفضوا متعللين بعدم صدور اللائحة التنفيذية، ومع إلحاحنا في الحصول على ما يفيد بشروعنا في عملية الترخيص، والسماح لنا بممارسة العمل دون تهديد. وافق المجلس في النهاية على تقديمنا طلب يفيد برغبتنا في توفيق أوضاع الموقع. وبعد صدور اللائحة التنفيذية أعدنا التقدم مرة أخرى بعد استيفاء الشروط القانونية والمالية التي حددتها اللائحة التنفيذية ولائحة تنظيم التراخيص، ولكن لم يصلنا أي رد بالقبول أو الرفض حتى قررنا الاحتجاب نهائيًّا لحين رفع الحجب عن الموقع والبت في طلب الحصول على الترخيص”.

بينما قال أحمد عبد الجواد المدير الإداري لموقع مصر العربية

القاهرة ٢٤ ومصر العربية، هما مواقعان صحفيان، محليان، خاصان، صدرا ضمن عشرات المواقع الصحفية التي انطلقت بعد ثورة يناير ٢٠١١. كلا الموقعين تقدم بطلب للحصول على الترخيص في نفس الوقت تقريبًا في عام ٢٠١٨، الأول حصل أخيرًا على شهادة اكتمال الترخيص، بينما ظل الموقف القانوني للثاني معلقًا مع استمرار تجاهل الأعلى للإعلام المخاطبات الرسمية لإدارة الموقع.

وتوضح شهادات القائمين على كلا الموقعين لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، الاختلاف الكبير في سياسة المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تجاه المواقع الصحفية التي تقدمت لتوفيق أوضاعها واستوفت كافة اشتراطات الترخيص التي حددتها اللائحة. ففي الوقت الذي اتسمت عملية حصول بعض المواقع على شهادات اكتمال الترخيص بالمرونة والسهولة واليسر، كما يصفها مدير تحرير موقع القاهرة ٢٤، كان التجاهل والتعنت عنوان سياسة المجلس تجاه مواقع أخرى، مثل: مصر العربية التي اضطرت إلى الاحتجاب في نهاية المطاف بعد يأسها من الموافقة على تقنين وضعها ورفع الحجب عن الموقع والسماح لهم بممارسة عملهم الصحفي بحرية.

“وبعد إخلاء سبيل رئيس التحرير، لم تتوقف المقابلات مع نقيب الصحفيين والمراسلات الرسمية مع المجلس الأعلى للإعلام، في محاولات قانونية وودية لاستعادة العمل بالموقع. تحملنا خلال الشهور الثمانية الماضية المشاق من أجلكم، فلم تكلل جهودنا بالنجاح، ولم نحصل إلا على وعود متكررة بالعودة، فآثرنا الاستئذان بهدوء إلى أن تسمح الأقدار بعودتنا”.

بيان الاحتجاب، موقع مصر العربية

في ٢٠ مايو ٢٠٢١ قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تشكيل لجنة مؤقتة لتلقي طلبات ترخيص الصحف والمواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام[8]، في الفترة من ٢٣ مايو وحتى ٣٠ مايو ٢٠٢١. الإنذار الموجه إلى المواقع الصحفية من أجل توفيق أوضاعها هذه المرة لم يكن الأول، حيث دعا المجلس في أوقات متفرقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة المواقع والصحف ومختلف وسائل الإعلام لتوفيق أوضاعها والحصول على شهادات اكتمال الترخيص. رغم أن عدد المواقع التي تقدمت بطلب الترخيص إلى الأعلى للإعلام خلال الفترة من ٢١ أكتوبر ٢٠١٨ وحتى نهاية يناير ٢٠١٩، بلغت ١٥٠ موقعًا إلكترونيًّا، وافق المجلس على ٤٠ موقعًا فقط، وما زال النظر جاريًا بشأن الـ١١٠ مواقع الآخرين[9]. وهو ما يؤكد ارتباك وتخبط عمل المجلس الأعلى في ملف التراخيص، ما أدى إلى تباطؤ وصل مرحلة الترهل في قدرة المجلس على النظر في أمر ١٥٠ موقعًا طوال عامين ونصف.

تضمنت المواقع التي تقدمت بطلبات الترخيص[10]: “إخباري متنوع: 47، إخباري رياضي: 7، إخباري اقتصادي: 17، إخباري فني: 2، إخباري طبي: 1، صحفي تحريري: 23، ديني معرفي: 2، ترفيهي منوعات: 1، إعلاني: 4، خبري لأهالي ومراكز مناطق محددة: 2، علمي معرفي: 6، إخباري زراعي: 1”. حصلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير على شهادات من القائمين على أربعة مواقع صحفية، محلية، ثلاثة منها مواقع خاصة (المنصة، القاهرة ٢٤، مصر العربية) والآخر حزبي وهو موقع درب التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، تمكن فقط موقع القاهرة ٢٤ من الحصول على شهادة اكتمال الترخيص. إلا أن الشهادات أبرزت بوضوح انتقائية وتسييس عملية توفيق أوضاع المواقع الصحفية.

المواقع الثلاثة التي لم تتمكن من الحصول على التراخيص تشترك جميعها في كونها مواقع تقدم محتوًى مخالفًا للخط التحريري السائد في مختلف وسائل الصحافة والإعلام المملوكة والموجهة أمنيًّا، تعرضوا ثلاثتهم للحجب في ٢٠١٧ وتمت ملاحقة كافة الروابط البديلة التي استخدموها لتمكين جمهورهم من الوصول إلى المواقع وتجاوز الحجب، كما تعرض القائمون على المواقع الثلاثة والعاملون بها لملاحقات أمنية مستمرة، كما داهمت الشرطة مقر موقع مصر العربية في ٢٠١٨ واعتقلوا رئيس تحريره الذي قضى عامين ونصفًا قيد الحبس الاحتياطي على ذمة قضيتين مختلفتين بسبب إحدى التغطيات الصحفية المترجمة التي نشرها الموقع، وفي العام الماضي اقتحمت قوة أمنية موقع المنصة واعتقلت رئيسة تحريرها بدعوى عدم الحصول على ترخيص بمزاولة العمل.

يبدو إذن أن تجاهل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، حتى الآن، طلبات ترخيص عدد من المواقع، ليس ارتباكًا أو تخبطًا فقط، بل هو تجاهل متعمد بهدف تجميد الموقف القانوني لتلك المواقع حتى تظل عرضة للتنكيل والملاحقة الأمنية بدعوى عدم الحصول على الرخصة. وكما أشرنا سابقًا فإن لجنة التراخيص تمارس تمييزها ضد تلك المواقع وفق معيارين رئيسيين، أولهما طبيعة المحتوى الذي يقدمه الموقع، وثانيهما شخوص القائمين على الموقع.

يقول خالد البلشي، رئيس تحرير موقع درب في شهادته لِمُعِد التقرير:  

“هِيَّه الأزمة إن الملف كله خاضع لجهات أخرى، خاضع لجهات أمنية. وطالما ظلت الهيئات والمجالس الإعلامية بحكم تشكيلها غير مستقلة فستظل خاضعة. بدليل التفرقة بين المواقع التي تسير داخل السياق والمواقع الأخرى التي تخرج عن السياق المرسوم، ويبقى وضعنا أننا موقع محجوب من جهة لا نستطيع إثباتها أمام القانون، وضعنا القانوني غير واضح حيث تقدمنا بطلبات الترخيص ولم يصلنا رد بالموافقة أو الرفض. هذا هو الوضع الذي يريدوننا أن نستمر فيه”.

خالد البلشي سبق أن حجبت له السلطات المصرية موقعين صحفيين، موقع البداية الذي حجب ضمن موجة الحجب الأولى في ٢٠١٧، ثم موقع كاتب والذي أصدره برعاية الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وتم حجبه بعد ثماني ساعات فقط من إطلاقه. وأخيرًا موقع درب التابع لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي والذي حجب بعد شهر واحد من إطلاقه. ورغم خصوصية الوضع القانوني لموقع درب باعتباره موقعًا حزبيًّا يستفيد من نص قانون الأحزاب الذي يسمح لكل حزب بإصدار صحيفتين دون التقيد بشروط الترخيص التي يحددها القانون.

“قبل إطلاق الموقع خاطبنا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ولجنة شؤون الأحزاب بعزمنا على تأسيس موقع حزبي، مستفيدين بنص قانون الأحزاب الذي يعطي الحق لكل حزب في إصدار صحيفتين دون التقيد بالاشتراطات المالية أو القانونية التي تخضع لها المواقع الأخرى. كان ذلك قبل تاريخ صدورنا في ٨ مارس ٢٠١٨ بأسبوع، ولم نتمكن منذ حينها من التوصل إلى رد، حتى أن المجلس لم يطلب منا أي استيضاحات أو استكمال أي أوراق أو بيانات خلال تلك الفترة، تجاهل تام. إلا أن هناك رد من نوع آخر جاء بعد إطلاق الموقع بشهر واحد عندما تعرض الموقع للحجب في ٩ إبريل ٢٠١٨. والآن وضعنا مجمد مثل مواقع خاصة أخرى عديدة وضعها مجمد”.

ينص قانون الأحزاب السياسية رقم ٤٠ لسنة ١٩٧٧ وتعديلاته، في مادته رقم ١٥ على: “مع عدم الإخلال بالحق في إصدار الصحف وفقًا للأحكام المنصوص عليها في القانون رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ بشأن تنظيم الصحافة، يكون لكل حزب حق إصدار صحيفتين على الأكثر للتعبير عن آرائه، ذلك دون التقيد بالحصول على الترخيص المنصوص عليه فى القانون المذكور”.

خاتمة

ألزمت اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم ١٨٠ لسنة ٢٠١٨ كافة الكيانات المخاطبة بالقانون من صحف ووسائل إعلام ووسائط إلكترونية بضرورة التقدم إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكام القانون واللوائح الصادرة تنفيذًا له، خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ إصدار اللائحة التنفيذية. وبالتالي مع صدور اللائحة التنفيذية بالفعل في فبراير ٢٠٢٠، تكون المهلة القانونية قد انتهت في منتصف أغسطس ٢٠٢٠، إلا أنه كما أشرنا فإن المجلس قرر تمديد هذه المهلة أكثر من مرة. وحتى قراره الأخير منذ أيام بتشكيل لجنة مؤقتة لتلقي طلبات الترخيص ينتهي عملها بنهاية شهر مايو الجاري.

رغم كل ذلك، فما زال المجلس مستمرًّا في سياسته بتجاهل طلبات الحصول على الترخيص المقدمة من عدد من المواقع الصحفية، وهو النهج الذي تحذر مؤسسة حرية الفكر والتعبير منه لأنه يعرض تلك المواقع للتنكيل والملاحقة الأمنية، فتلك المواقع محجوبة من جهة غير معلومة، ووضعها القانوني مجمد، وعرضة طوال الوقت للهجمات الأمنية بحسب طبيعة المحتوى الذي تقدمه، فضلًا عن الآثار الاقتصادية للحجب. كل ذلك يؤدي إلى تجفيف منابع الصحافة المستقلة ويمثل انتهاكًا صارخًا لحرية العمل الصحفي. كما تشير المؤسسة إلى الخطورة البالغة لما يمارسه الأعلى للإعلام من تمييز وانتقائية في عملية تحديد المواقع الصحفية المستحقة للترخيص، وتحذر من أي تدخلات أمنية أو سياسية في عمل المجلس ولجنة التراخيص.

توصيات

على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام سرعة البت في طلبات الترخيص/توفيق الأوضاع المقدمة من كافة المواقع الصحفية، وخاصة المواقع التي تقدمت منذ شهر أكتوبر ٢٠١٨ ولم تتلقَ أي رد بالقبول أو الرفض حتى اللحظة.

على المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام التدخل وفق صلاحياته القانونية من أجل رفع الحجب عن المواقع الصحفية، خصوصًا في ظل المعاناة الكبيرة اقتصاديًّا وأمنيًّا التي يتعرض لها القائمون على تلك المواقع والعاملين فيها. وتوفير الحماية اللازمة لتلك المواقع من أجل ممارسة عملها الصحفي بحرية، ووقف المداهمات الأمنية لمقار تلك المواقع والملاحقات الأمنية والقضائية للعاملين بها.

التعليقات (0)