- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
بعد إنجازات "شواظ" و"ياسين 105".. غزة تكشف عن ظاهرة تهدد الجيوش الغربية الكبرى
بعد إنجازات "شواظ" و"ياسين 105".. غزة تكشف عن ظاهرة تهدد الجيوش الغربية الكبرى
- 28 ديسمبر 2023, 9:37:02 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كشفت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر عن ظاهرة جديدة سيكون لها ما بعدها في المجالات والعلوم العسكرية، تتمثل في قدرة أسلحة بسيطة لا تكلف مئات الدولارت على إعطاب وتدمير أسلحة كبيرة تكلف الواحدة منها ملايين الدولارات.
كان هذا أهم ما استخلصه الخبير الاقتصادي، فيليب بيلكنجتون، في تحليل نشره بمجلة "ناشيونال إنترسبت".
وأوضح "بيلكنجتون" أن انخفاض تكاليف الحرب غير المتناظرة الذي كشفته الحرب على غزة، سيكون له أثره في تقييم قوة الجيوش، وهو ما كشفه أثر قذائف مثل "ياسين 105" و"تاندوم" وعبوات مثل "شواظ"، التي تتكلف مئات الدولارات، في تدمير آليات إسرائيلية، تكلفة الواحدة منها ملايين الدولارات.
وأشار إلى أن مصطلح "التسليع"، في الأعمال التجارية، يصف انتقال شيء كان في السابق سلعة فاخرة إلى سلعة يومية يتم شراؤها وبيعها بسعر رخيص، وهو ما جرى مع الأسلحة، ما يهدد قوة الجيوش الغربية الكبرى، وعلى رأسها الجيش الأمريكي.
وأضاف أن الصراع في أوكرانيا أظهر، على نحو متزايد، أن الحرب الحديثة تمر الآن بمرحلة "تسليع"، فالتكنولوجيا التي تم تطويرها في البداية لأغراض عسكرية، مثل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) والبصريات الإلكترونية المتقدمة، تم تصميمها للمنتجات الاستهلاكية، وانخفضت أسعارها، ويتم استخدام الإصدارات السلعية من هذه التكنولوجيا اليوم لإنشاء أنظمة أسلحة جديدة فعالة للغاية ورخيصة الثمن.
وأبرز قطعة من هذا النوع من التكنولوجيا في حرب أوكرانيا هي الطائرة الروسية المسيرة "زالا لانسيت"، والتي جرى استخدامها على نطاق واسع لاستهداف الدبابات والمركبات الأخرى التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية.
وأصبح من الشائع الآن رؤية مقاطع فيديو لطائرات مسيرة من نوع لانسيت تستخدم لتدمير الدبابات المتقدمة، مثل الدبابة الألمانية "ليوبارد 2".
وبالنظر في التكاليف النسبية، تبلغ تكلفة طائرة لانسيت المسيرة حوالي 35 ألف دولار، وإنتاجها سهل وسريع، ولذا أعلنت مجموعة "زالا" أنها ستزيد إنتاجها "عدة مرات هذا العام".
أما دبابة "ليوبارد 2" فتبلغ تكلفتها حوالي 11 مليون دولار. كما أنها بطيئة التصنيع، إذ يتم إنتاج حوالي 50 منها فقط كل عام.
هذا يعني أن روسيا يمكنها إنتاج 314 طائرة مسيرة من طراز "لانسيت" مقابل كل دبابة تنتجها ألمانيا من طراز "ليوبارد 2"، ويصبح هذا الحساب أكثر دراماتيكية في حال اعتبار الأسعار النسبية في البلدين باستخدام معادل القوة الشرائية (PPP)، وبهذا نجد أنه مقابل تكلفة إنتاج دبابة واحدة من طراز ليوبارد 2 في ألمانيا، تستطيع روسيا إنتاج 683 طائرة مسيرة من طراز لانسيت.
ويشير بيلكنجتون إلى أن "تسليع الحرب"، كما جرى في أوكرانيا، يدعو إلى التشكيك في قدر كبير من الاستراتيجية العسكرية الغربية المعاصرة، والتي يبدو أنها تركز على إنتاج معدات عالية الجودة والتكلفة على أمل أن تتمكن من التغلب على القوى الأدنى.
ولا ينطبق هذا فقط على حرب الاستنزاف الطاحنة في أوكرانيا، فمنذ اندلاع الحرب بغزة، في أكتوبر الماضي، برزت العديد من الجوانب الأخرى للاستراتيجية العسكرية الغربية، والتي أصبحت موضع تساؤل بسبب عملية "التسليع السريع في ساحة المعركة"، بحسب بيلكنجتون.
ففي بداية حرب غزة، بدأت حركة حماس بإطلاق أعداد كبيرة من صواريخ القسام على إسرائيل، وهي صواريخ "رخيصة الثمن بشكل لا يصدق"، حسب تعبير بيلكنجتون، مشيرا إلى أن وقودها من السكر والأسمدة، وتكلفة إنتاج كل صاروخ حوالي 300-800 دولار فقط.
القبة الحديدية
أما نظام الدفاع الجوي الشهير "القبة الحديدية" فهو دفاع إسرائيل ضد صواريخ القسام، وتبلغ تكلفة البطارية الواحدة منه 100 مليون دولار، كما تبلغ تكلفة كل صاروخ من صواريخ "تامير" الاعتراضية حوالي 50 ألف دولار.
وحتى من دون حساب تكلفة منصات الإطلاق، تستطيع حماس أن تصنع 91 صاروخاً لكل صاروخ اعتراضي من طراز تامير، وإذا أجرينا الحساب وفقاً لمعادل القوة الشرائية (PPP)، فيمكن لحماس أن تصنع 177 صاروخاً مقابل كل صاروخ اعتراضي.
وهنا يشير بيلكنجتون إلى أن مقارنة التكاليف واضحة ومباشرة لأن الإسرائيليين يستخدمون القبة الحديدية لإسقاط كل صاروخ قسام يتم إطلاقه على أراضيهم، ويتطلب الأمر صاروخ اعتراضي واحد على الأقل من طراز تامير لإسقاط صاروخ القسام.
وعلى نحو مماثل، يلفت بيلكنجتون إلى أن دبابات الميركافا الإسرائيلية معرضة للخطر أمام نظام "آر بي جي" محلي الصنع من إنتاج حماس، والمعروف باسم "الياسين 105"، معتبرا أن قدرة حماس على إنتاج قذائف خاصة بها على نطاق واسع تثير تساؤلات جدية حول القدرة على القتال المستمر في المناطق الحضرية باستخدام المركبات المدرعة، حتى بالنسبة للجيوش المجهزة تجهيزاً جيداً، مثل الجيش الإسرائيلي.
ولا توجد تقديرات لتكلفة قذائف الياسين، ولكن بالنظر إلى أنه يمكن شراء صواريخ "آر بي جي-7" بحوالي 300 دولار في السوق السوداء، فمن المرجح أن تكلفتها ربما 200 دولار، نظراً لانخفاض تكاليف العمالة في قطاع غزة.
أما تكلفة دبابة ميركافا 4M فتبلغ 3.5 مليون دولار، ما يعني أن حماس يمكنها إنتاج 17.500 قذيفة ياسين مقابل كل دبابة ينتجها الإسرائيليون، أو 34.155 قذيفة مقابل الدبابة الواحدة على أساس معادل القوة الشرائية.
ويطرح ذلك تساؤلا حول مدى فعالية نظام الصواريخ الأمريكي المضاد للدبابات "جافلين" مقابل "آر بي جي" الرخيص، ويجيب عنه بيلكنجتون بأن "أي جندي عاقل يفضل استخدام صاروخ جافلين بدلاً من آر بي جي عندما يواجه دبابة بلا شك، ولكن بتكلفة 78 ألف دولار للصاروخ الواحد.
كما أن "تسليع" الحرب الحديثة بلغ مدى صادما في الأيام الأخيرة عندما تمكن الحوثيون في اليمن من فرض حصار بحري فعال بالبحر الأحمر دون امتلاك قوة بحرية، بحسب بيلكنجتون، مشيرا إلى أن القدرة على السيطرة على البحار، وبالتالي السيطرة على التجارة، ارتبطت تاريخيا بالدول الغنية التي يمكنها تخصيص قدر كبير من دخلها لبناء قوات بحرية، لكن "تسليع الحرب الحديثة" أدى إلى تغيير هذه الديناميكية.
وكانت اللحظة الحاسمة في حصار الحوثيين للبحر الأحمر هي الاستهداف الناجح لسفينة تجارية بصاروخ إيراني مضاد للسفن.
وهنا يعلق بيلكنجتون بالقول: "المعلومات حول النموذج المحدد للصاروخ ضئيلة، ولكن ليس هناك شك في أن تكلفة الصاروخ أقل بكثير من صواريخ الدفاع الجوي التي تستخدمها السفن البحرية الغربية لمواجهتها".
ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن تقارير سلطت الضوء على استخدام البحرية الأمريكية صواريخ بقيمة 2 مليون دولار لإسقاط طائرات مسيرة للحوثيين بتكلفة 2000 دولار فقط.
وتثير طبيعة هذا السلاح الحوثي الجديد أيضاً مشاكل أكثر جوهرية، فعندما فُرض الحصار على اليمن، كانت هناك دعوات للبحرية الأمريكية وحلفائها لقصف الحوثيين لإجبارهم على الاستسلام، لكن ما الذي سيقصفونه بالضبط؟
تبدو الإجابة صعبة، إذ يمكن نقل الصواريخ والطائرات المسيرة الجديدة إلى أي مكان في الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين وتركيبها وإطلاقها، وتشغيلها حتى عن بعد.
وحتى حال تحديد البحرية الأمريكية للهدف المطلوب قصفه، قد يكون مجرد قاذفة رخيصة الثمن، أو في أحسن الأحوال، شاحنة فارغة.
الإنفاق الدفاعي
كل هذا يثير عددا من الأسئلة، حسبما يرى بيلكنجتون، على رأسها: هل من الحكمة مقارنة القوة العسكرية لكل دولة على أساس إجمالي الإنفاق؟
وفي معرض الإجابة، يشير الخبير الاقتصادي إلى ضرورة التوقف عن استخدام مقياس الإنفاق الدفاعي للحكم على الفعالية، مشيرا إلى أن تطورات الحرب في أوكرانيا وغزة قدمت أمثلة كثيرة على ذلك.
وإزاء ذلك، فالمناقشات حول القوة العسكرية، التي تعتمد على الإنفاق الإجمالي كمقياس، "لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد بعد الآن"، بحسب بيلكنجتون.
وطرح الخبير الاقتصادي تساؤلات أخرى: هل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي مناسبا للغرض الذي أنشئ من أجله؟ وهل نموذجه عالي التقنية وباهظ التكلفة مناسب لساحة معركة حديثة؟ وهل تعتبر سلاسل التوريد الهائلة والمتكاملة إلى حد كبير ضرورية في ظل إمكانية الحصول على الكثير من التكنولوجيا المستخدمة لإنتاج الأسلحة من السوق التجارية؟
فمثلا يمكن شراء محرك مماثل لذلك المستخدم في الصواريخ الإيرانية 358 من سوق "علي إكسبريس" أو من خلال مواقع الطائرات المسيرة للهواة مقابل بضع مئات من الدولارات.
ويخلص بيلكنجتون إلى أن الوقت حان لإعادة تقييم كيفية إنفاق الدول الغربية الكبرى على الأسلحة وما تستطيع القوة العسكرية التقليدية تحقيقه من عدمه في ساحة المعركة التي تحولت إلى سلعة حديثاً.
فلطالما كانت القوات البحرية هي الأداة المفضلة لاستعراض القوة في المناطق البعيدة من العالم، ولكن إذا كان بالإمكان تهديد السفن الحربية بسهولة وبتكلفة زهيدة فإن فائدتها تكون أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي.