- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
ايمن غالي : صبري فواز في مشهدين
ايمن غالي : صبري فواز في مشهدين
- 7 مايو 2021, 8:03:24 م
- 1036
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قلت ان صبرى فواز أدى مشهدين فيهما تشابه ظاهرى فى الحالة لكنه أداهم بطريقتين عكس بعض تماماً !!
سأكتفى اليوم بتحليل الأداء التمثيلى للفنان صبري فواز فى المشهدين وعذرا للإطالة مقدما.
المشهد الاول فى مسلسل خلى بالك من زيزي "الحلقة 25 " اللى صبري فواز بيؤدى فيه شخصية الدكتور النفسي سامى اللى بيعالج زيزي ،
بدأ المشهد وهو جوا عربية صديقة الدكتور "مفيد عاشور" بعد ماوصلوا للمقابر وواقفين بالعربية على مسافة من قبر إبنه ،
وقفة العربية ذاتها لفترة معناها ان الدكتور صديقه اللى بيعالجه عارف انها خطوة صعبة نفسيا على سامى عشان كده إداله وقته يستجمع فيه طاقته ،
بدأ صبري فواز المشهد بالتسمر الكامل والسكون الكامل بجسده ووجهه ،
وزاوية نظره معلقة فى إتجاه قبر إبنه يعنى بالبلدى كده "متخشب او مشلول" فهو فى عالم آخر وفى منطقة أخرى غائب عن الحاضر لايشعر به ولايملك أى قدرة او دوافع للحركة ،
يظل هذا التسمر والسكون والنظرة المعلقة تجاه القبر لفترة ،
ثم تميل زاوية نظره قليلا ببطء وبالتدريج ومازال جسده وملامح وجهه ساكنين غير قادرين على الحركة كأنها نقلة زمنية فيتذكر ماحدث لإبنه
وهو الحاجز النفسي الذى ظل دكتور سامى متسمرا أمامه لايقوى على تجاوزه ويخشى مواجهته سوى بغيابه التام عن الحاضر وعدم الإحساس او الوعى به لولا صوت صديقه : سامى ..
. يللا .. فهنا بالسكون والصمت وزاوية نظر العين فقط وإقتراب الكاميرا تدريجيا من وجه سامى نقلنا الممثل والمخرج الى العالم الداخلى لشخصية سامى ،
ثم يأتى الكادر التالى سامى وصديقه ينزلان من السيارة تقف بعيدا على مسافة شبه طويلة من قبر الإبن والكاميرا تستقبلهما من بعيد كمعادل فنى لأطول وأصعب مسافة نفسية ستجتازها شخصية سامى ،
ومع نزوله من السيارة كأنه يفيق ويعود إلى أرض الواقع الحاضر مستغربا المكان ،
فينظر سامى نظرة عابرة على أحد المقابر كأنه يفيق على انه فى المقابر وهى لحظة إنتقاله التدريجي من الماضى للحاضر
وهذه المسافة الطويلة هى المسافة التى سيقطعها سامى للإنتقال من الماضى للحاضر ، يتقدم سامى نحو قبر إبنه
وعينه معلقة تجاه القبر فى بطىء وتردد وإنكسار وخوف من المواجهة ورعبة فى التراجع والهروب لولا دفع وطبطبة ومساندة صديقه الذى يضعه فى موضعه امام قبر إبنه ويبتعد قليلا ،
وهنا تبدأ لحظة المواجهة الفعلية تبدأ بإعتذار شديد من سامى تجاه إبنه بتقديم بوكيه الورد بحركة جسدية تدل على التردد والخوف والخجل والإنحناء أمام إبنه وحركة يديه الطالبة الغفران والسماح ،
ثم تبدا لحظة الإنهيار العاطفى امام إبنه وهنا يبدأ صبري فواز فى البكاء بما يحمله من مشاعر الحب والإشتياق تجاه إبنه التى تدل عليه حركة يديه الى صدره فى تعبير
عن تخيله انه يحتضن إبنه ويطبطب عليه ، بكاء إنهيارى دلت عليه حركة سقوط جسده مرتميا على سور القبر ، البكاء بصوت عالٍ الدال على التألم والحُرقة والغضب وتأنيب الذات وعقابها ،
فقد شعر بأن إبنه سامحه وعاد إلى حضنه لكنه هو ذاته مازال لم يسامح نفسه .
تلك كانت أدوات الممثل التى إستخدمها صبري فواز بدراسته للشخصية والموقف الدرامى وبحسابات دقيقة وحِس مُرهَف ،
أداة لغة الجسد المتمثلة فى السكون التام فى السيارة - فى طريقة المشية المترددة المتهدلة المنكسرة - فى طريقة تقديم الورد - فى السقوط امام القبر – فى حركة اليدين لطلب الغفران – فى حركة اليد لتخيل إحتضان إبنه .
وأداة تعبيرات الوجه : سلبية الوجه تماماً فى السيارة دالة على الغياب عن الحاضر – النظرة المعلقة تجاه القبر – ميل النظر لزاوية أخرى – النظر لأحد القبور– تعلق العين بالنظر للقبر طوال المشي إليه
– نظرة الإعتذار والإستعطاف – الحزن – البكاء . وأداة الإنفعال العاطفى : سلبية الإحساس بالحاضر – التوهان – التردد - الإنكسار – الإعتذار وطلب السماح – الحزن والحب والاشتياق –
تأنيب الذات والغضب منها . وأداة صوت الممثل : الصمت التام – البكاء بصوت عميق متهدج. كل هذه الادوات بدون حوار
أما المشهد الثانى فهو فى مسلسل "موسى" الحلقة 21" حيث يؤدى صبري فواز دور شهاب باشا الذى حنط جثمان أمه وظل يتعامل معه على أنها حية ويحيطها بالورود داخل صندوقها الزجاجى
ويقدم لها الأكل ويتحاور معها ويرقص معها ويمنع أى شخص من الإقتراب من حجرتها فى القصر . يبدأ المشهد بحضور السلطات الملكية لتأخذ الجثمان ،
فمبدأياً شخصية شهاب هنا مريضة بالفصام العقلى "الذهانى" ، وهو مرض لا يستطيع الشخص المصاب به التفريق أو التمييز بين الواقع وبين الخيال.
وقد يحدث أحيانا أن يفقد ارتباطه بالواقع ويعيش فى اوهام وهلاوس سمعية وبصرية .
فهو ينكر موت أمه ويعيش وهم انها حية ومن أهم أعراض هذا المرض "فتور الشعور والجمود وانعدام الإحساس أو التعبير عن المشاعر وإتخاذ ردود فعل سلوكية وحالات مزاجية وإنفعالية لا تتلاءم مع الموقف " .وبناء على هذه المحددات العلمية للمرض كان أداء صبري فواز للمشهد ،
ففى البداية إنفعل على أخته وعلى السلطات لدخولهم المفاجىء على أمه وهى نائمة وفق اوهامه ،
وإحتد عليهم بعنف وبالشتائم لقلة ذوقهم . فكان أداء صبري فواز ليس وفقا للواقع من وجهة نظرنا ولكن وفقا لواقع أوهام الشخصية المريضة .
لذا طلب من زوجته توديع أمه والإطمئنان عليها كأنها مسافرة فقط ،
ودخل عليهم وهم ينقلونها وهو ينظر إليهم فى جمود وفتور وسكون فى البداية ويداه ساكنتان بجوار جسده المتسمر الجامد ،
ثم تتحرك يداه وهم يحملون جثمان أمه كأنه يحملها معهم ، يراقب مايحدث ولا يفهمه ،
ويبدأ هنا فى التأرجح بين الواقع والوهم فيصاب بحالة من جمود المشاعر والإرتباك النفسي ،
يشعر برحيل أمه فتتحول نظرته إلى خوف ثم فزع ورعب ، فينسحب من الغرفة بهدوء هروبى ،
تستقبله الكاميرا خارج الغرفة على سلم القصر وفى الخلفية اللوحة الدرامية الشهيرة "الصرخة" للفنان التعبيري النرويجي إدفارت مونك والتى تعبر عن مشاعر الرعب فى صرخة الألم والقلق الوجودى تجاه البشرية .
وهى أشهر لوحة مرتبطة بأمراض العصاب الذهانى المرتبطة بالخوف والألم النفسي الإنسانى ،
باللإضافة لتشكيلات إطارات "براويز" الصور المعلقة على السلم بما فيها من تجريد لمعنى الحصار والسجن والعجز النفسي .
ولذا كانت اللوحة هنا هى مصدر الانفعال الدرامى بالخوف والرعب ولذا إستمسك صبري فواز بحالة الإنهزام امام الواقع فى أدائه مبتعدا عن الصراخ او البكائية فى الأداء فلاداعى لتكرار نفس المعنى مرتين .
ثم يميل برأسه تجاه اللوحة ليحيل نظرنا إليها . وهنا الممثل لاينجرف وراء البكائية او الصراخ او الصوت بشكل مجانى مُكرَر لإستجداء مشاعر المشاهدين أوبشكل شعبوي يتعارض مع طبيعة مرض الشخصية ،
وإنما يؤدى بشكل مدروس ومنهجى ووفق معيار شديد الحساسية الفنية والموضوعية .
تلك كانت أدوات ممثل مرهف الحس ، واعى العقل ، يقف على خبرات فنية راسخة ،
يدرس ويحلل الشخصية بشكل علمى ومنهجى ويحلل سياق الموقف الدرامى ومكونات الكادر البصرية ويحدد دلالات كل فعل تمثيلى
وعذراً مرة ثانية للإطالة لكنه حق هذا الفنان كما أجهد نفسه فى دراسة تفاصيل أدائه ليمتعنا فحقه أن نعطِه حقه علينا ونسلط الضوء بالتفصيل على هذه التفاصيل لمن لا يدركها .
ونقول له شكراً يافنان صبرى فواز نحن نراقبك ونعى تماماً الفرق بين الأصيل والفالصو