القدس على وشك الانفجار.. وملامح انتفاضة فريدة تلوح في الأفق

profile
  • clock 2 مايو 2021, 11:28:33 ص
  • eye 766
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01


لم يمض شهر على إعلان "جاريد كوشنر"، صهر الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب"، انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي، إلا وانفجرت حلقة جديدة داخل فلسطين.

وفي مقال لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أعلن "كوشنر" أن "الزلزال السياسي" الذي أحدثته الموجة الأخيرة من التطبيع العربي مع إسرائيل لم ينته بعد.

وفي الواقع، كان "كوشنر" متحمسا، فقد زار أكثر من 130 ألف إسرائيلي دبي بالفعل منذ أن استضاف "ترامب" توقيع اتفاقات التطبيع بين الإمارات وإسرائيل في سبتمبر/أيلول الماضي.

وتنامت العلاقات الودية الجديدة بين إسرائيل والعرب منذ ذلك الوقت. وأصبحنا ننتظر رحلات جوية مباشرة بين المغرب وإسرائيل.

ومن المتوقع أن تكون السعودية هي التالية في هذا السباق.

وكتب "كوشنر" شاعرا بنشوة الانتصار: "نشهد آخر بقايا ما عُرف بالصراع العربي الإسرائيلي".

ولم تكتب أي شخصية أمريكية أي شيء بهذه الغطرسة والخطأ منذ أن هبط الرئيس "جورج دبليو بوش" على حاملة طائرات بعد غزو العراق ووراءه لافتة تقول: "المهمة أنجزت".

ومنذ ذلك الوقت عانى الجنود الأمريكيون لأعوام عديدة هناك.

ولا يشعر "كوشنر" بالندم على شيء.

وهو يظن أنه على حق، "لأن الله في صفه".

ولكن "كوشنر" ليس وحده في التفكير أن الصراع المستمر منذ 7 عقود قد انتهى.

حكم الأقلية

ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فقد حققت الدولة العبرية النصر الإقليمي الواحد تلو الآخر، في مرتفعات الجولان والقدس الشرقية والمستوطنات المحيطة بها ووادي الأردن.

وفي كل عام تتوسع إسرائيل لتعيش في مساحة أكبر قليلا من الأرض الموعودة، أو "أرض إسرائيل"، وهو الاسم اليهودي التقليدي للأراضي التي تمتد إلى ما بعد حدود عام 1967.

وقد روجت إسرائيل لنفسها منذ فترة طويلة باعتبارها الدولة الوحيدة بين النهر والبحر، وهي دولة غير قادرة على تحمل أي هوية سياسية أخرى بجانبها. ومن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن الحل هو سيطرة الأقلية اليهودية على الأغلبية العربية.

وأن تكون فلسطينيا يعني أن تتلقى الضربة تلو الأخرى، قبول أمريكا بالقدس كعاصمة غير مقسمة لإسرائيل، ورئيس جديد في البيت الأبيض قال ذات مرة إنه إذا لم تكن إسرائيل موجودة فكان يتعين على الولايات المتحدة أن تنشئها، والاندفاع المتهور للاستثمار في إسرائيل والتجارة معها، حتى من قبل الدول العربية التي لم تعترف بها بعد.

وأرجأ الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الخميس الماضي، رسميا أول انتخابات منذ 15 عاما.

وكان رفض إسرائيل السماح للمقدسيين بالتصويت ذريعة لذلك.

وقال "عباس" في خطاب متلفز: "بمجرد أن توافق إسرائيل على السماح للفلسطينيين بالتصويت في القدس، سنجري الانتخابات في غضون أسبوع".

لكن، كما يعلم الجميع، يكمن سبب هذا التأخير إلى أجل غير مسمى في الضربة المؤكدة التي يعلم "عباس" أنه سيتلقاها إذا ذهب إلى صناديق الاقتراع.

ويبدو أن بحث "عباس" عن تفويض شعبي قد فشل.

إذن هذا ما تبدو عليه نهاية الصراع. إنها مسألة وقت فقط قبل أن يرى الفلسطينيون أن مصلحتهم العليا تكمن في الاستسلام، حسب حسابات "كوشنر" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو".

إلى جانب ذلك، لابد أن يدرك الفلسطينيون أن لهم دولة خاصة بهم تسمى الأردن.

وسط الشعور بالنصر الخطر أكبر

لكن تصديق كل هذا أمر خطير.

ولم يكن مشروع إسرائيل كدولة يهودية في خطر أكثر مما هو عليه الآن، في الوقت الذي تعتقد فيه أنها على أعتاب النصر، لأن الزلزال الحقيقي ليس الزلزال الذي يشير إلى نهاية الصراع، ولا المناوشات في الضفة الغربية أو غزة، بل زلزال يهز إسرائيل في القدس والأراضي التي احتلتها عام 1948.

ولن يحمي أي جدار أو حاجز تفتيش إسرائيل من عواقب الزلزال الذي مركزه القدس حيث يشارك فيه الفلسطينيين، سواء كانوا مواطنين في إسرائيل أو مقدسيين.

وفي حديث مؤخرا بين متظاهر فلسطيني ومراسل تلفزيوني يهودي تم تسجيله مؤخرا أمام "باب العامود" في البلدة القديمة في القدس، يسأل الفلسطيني المراسل: "أين ولد جدك؟". وكان الرد: "أين ولد جدي؟ في المغرب". وأكمل الفلسطيني: "ليس في هذه الأرض، أليس كذلك؟ لم يكن هنا. ولم يأت إلى هنا من قبل، أليس كذلك؟"

رد الإسرائيلي: "إذا، ماذا تقصد؟" وقال الفلسطيني: "أما بالنسبة لي، فقد ولد جدي ووالده هنا".

واستنكر الإسرائيلي قائلا: "هل يجب أن أعود إلى المغرب؟ هل هذا ما تعنيه؟" أجاب الفلسطيني: "هذه الأرض ليست لك. هذه الأرض ليست لكم. القدس لنا. القدس إسلامية".

وكانت شرارة المواجهة قرار منع الفلسطينيين من الجلوس في الفناء والدرج أمام باب العامود حيث اعتاد الفلسطينيون الجلوس بعد الصلاة في المسجد الأقصى.

وكان سبب الإغلاق المستمر هذا العام هو "كوفيد-19"، لكن ذلك تسبب في إشعال الأمور.

وتساءل المتظاهرون: "هل نفذوا الإغلاق بشأن عيد المساخر وعيد الفصح لليهود؟ يجب أن يفتحوا لنا الباحة والسلالم".


حملة تطهير عرقي

وبالطبع هناك العديد من التهديدات الأكثر خطورة على أسلوب حياة الفلسطينيين، ولكن يبدو أن محاولة إغلاق هذه المنطقة كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.

ويواجه المقدسيون حملة منظمة من التطهير العرقي. فهم إما يُجبرون على هدم منازل بُنيت دون تصريح تخطيطي، أو يواجهون الطرد من منازلهم.

ومن المقرر أن تحدث جولة جديدة من عمليات الطرد في "الشيخ جراح" في 2 مايو/أيار، والتي يمكن أن تكون شرارة أخرى للاحتجاج الجماهيري.

وعلى الساحل في "يافا"، فإن للمواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سبب آخر، وهو بيع ممتلكات الغائبين للمستوطنين.

ويسكن الآن في عقارات يافا التي فر مالكوها العرب خلال النكبة عام 1948، مستأجرون فلسطينيون مع إيجار مدى الحياة.

وفي عام 1948، قامت دولة إسرائيل المشكلة حديثا بمصادرة هذه العقارات في يافا، والتي كانت تشكل في ذلك الوقت 25% من إجمالي العقارات في البلاد.

ومنذ 3 أعوام، عرضت شركة الإسكان الإسرائيلية المملوكة للدولة "عميدار" على المستأجرين الحق في الشراء، ولكن بأسعار لا يستطيعون تحملها.

وخلق البيع نقطة اشتعال فورية.

ومنذ أسابيع، يتجمع الفلسطينيون في يافا للتظاهر.

وظهرت رسوم على الجدران تقول "يافا ليست للبيع" باللغتين العربية والعبرية.

والنية الواضحة هي استبدال السكان العرب في المدينة بالمستوطنين اليهود.

ووقعت اشتباكات بين الشرطة والمستوطنين وفلسطينيي يافا بعد أن قام فلسطينيان من عائلة "الجربو" بالاعتداء على مدير مدرسة "يشيفا"، الحاخام "إلياهو مالي"، أثناء محاولته رؤية عقار وتخطط "عميدار" لطرد السكان الفلسطينيين منه وبيعه للحاخام الذي يريد تحويله إلى كنيس يهودي.

وفي مدينة أم الفحم الشمالية، وفي مدن عربية أخرى في المثلث الشمالي والجليل، هناك سبب آخر للاحتجاج.

وتظاهر عشرات الآلاف من الفلسطينيين ضد تقاعس الشرطة الإسرائيلية عن مواجهة عنف العصابات المسلحة لمدة 8 أيام جمعة متتالية.

وفي كل من هذه الاحتجاجات، ظهر العلم الفلسطيني من جديد وظهرت الهتافات ضد الاحتلال، وكل هذا يحدث داخل حدود عام 1948، داخل إسرائيل نفسها.


جيل جديد

ومن الملاحظ أنه يغلب على المتظاهرين سن الشباب الذين لا يعرفون الخوف ولا يعترفون بزعيم.

ولا يعتبر لـ "فتح" أو "حماس" أي نفوذ هنا.

ولا يعتبر هؤلاء أنفسهم مواطنين إسرائيليين، بل فلسطينيين استولت إسرائيل على أراضيهم وحقوقهم. ويردد هؤلاء شعارات وطنية فلسطينية.

وفي هذه الأثناء، في النقب في الجنوب، حققت الجرافات الإسرائيلية رقما قياسيا، فقد دمرت نفس القرية، "العراقيب"، للمرة 186.

وأصبح التوتر ظاهرة تنتشر في إسرائيل، في الشمال والجنوب والشرق والغرب.

وبؤرة الثورة الحالية ليست "أم الفحم" أو "يافا"، بل القدس.

وكل فجر، تنطلق حافلات تنقل الناس من البلدات الفلسطينية من داخل حدود عام 1948 للصلاة في الأقصى، ويطلق عليهم اسم "المرابطون"، أو ما يعرف بحماة الأقصى.

وفي هذه الأثناء تتشكل حركة احتجاجية وطنية، رويدا رويدا، مثلما حدث في الانتفاضة الأولى، لكنها هذه المرة لا تحدث في الضفة الغربية أو غزة، بل داخل القدس وحدود إسرائيل لعام 1948 نفسها.

ويعيد جيل جديد اكتشاف الحاجة للنزول إلى الشوارع.

ويتم تشكيل محور جديد لا يتجه نحو الشرق من القدس إلى رام الله، بل باتجاه الغرب من القدس إلى يافا.

ولا تعرف قوات الأمن في إسرائيل كيف ترد.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، هناك خلاف بين مختلف فروع قوات الأمن حول كيفية الرد.

وذكرت الصحيفة أن مسؤولين كبار في الجيش وأجهزة المخابرات عبروا عن "خيبة أمل مهنية في سلوك الشرطة داخل القدس خلال المواجهات الأخيرة، حيث لم يكن هناك استعداد كاف وأثار التعامل المبكر مع الأحداث انفعالات".

وقالت الصحيفة إن أجهزة المخابرات حذرت الشرطة من إغلاق السلالم المؤدية إلى باب العامود بسبب الانفجار الذي قد يسببه في المنطقة.

لكن الشرطة لم تستمع لقول العقل.

حافة الهاوية

ينتشر الغاز في الهواء، ولن يمر وقت طويل قبل أن تحدث شرارة أخرى.

إن القدس على شفا الانفجار. فهل يجلس حلفاء إسرائيل الدوليون وينتظرون الموت وإراقة الدماء التي ستصاحب حتما انتفاضة جديدة؟

لقد شرع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في محاولة لاستعادة القيادة الأمريكية من خلال تبني سياسة خارجية يُزعم أنها تستند إلى دعم حقوق الإنسان. وأصبحت إدارته الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن.

ولكن إذا كان "بايدن" يريد فعلا إحداث فرق، فلا ينبغي أن يتحدث عن الماضي، ولكن ما يحدث الآن أمام عينيه.

وإذا كان ارتباط هذا الرئيس الجديد بحقوق الإنسان حقيقيا وليس مجرد جعجعة فارغة، فلا ينبغي له أن يتحدث عن التاريخ، بل يجب أن يصنعه.

ويجب أن يبدأ "بايدن" في التعامل مع أكبر منتهك لحقوق الإنسان، ألا وهو إسرائيل.

ويوجد هناك ظلم وتمييز يطابق التعريف المتفق عليه دوليا للفصل العنصري، ولم يعد هناك أي شك في ذلك.

وأصدرت منظمات حقوق الإنسان الواحدة تلو الأخرى تقارير شاملة وعلمية تشهد على وجود هذا الفصل.

والشهر الماضي، كانت "بتسيلم"، وهذا الشهر كانت "هيومن رايتس ووتش". فهل يتحدى "بايدن" هذا الدليل؟ وهل يتفق مع إسرائيل في أن هذه التقارير مجرد تصورات خيالية؟

حسنا، لم يعد من الممكن تجاهل هذه التقارير، فانتهاكات حقوق الإنسان تحدث في إسرائيل يوميا.

ويوما بعد يوم، أصبحت إسرائيل، وليس مستوطنوها فقط أو أقصى اليمين، أكثر تطرفا في فرض سيادتها على الأشخاص الذين استولت على أراضيهم.

فإلى متى إذن يمكن لـ "بايدن" أن يدافع عن نظام يعتمد وجوده على الاستخدام اليومي للقوة ضد شعب يشكل 20% من مواطنيه وأغلبية السكان بين النهر والبحر؟

وكانت اتفاقات التطبيع التي وقعتها إسرائيل مع دولتين عربيتين مجرد وهم.

ويرى "نتنياهو" أن فتح علاقات مع الدول العربية هو الوسيلة التي يمكنه من خلالها تجاوز الدولة الفلسطينية وتجاهل الحقوق الفلسطينية.

لقد كان مخطئا للغاية في كلتا الحالتين.

وبالنسبة للفلسطينيين، لم يعد من المهم كيف سيكون رد فعل "بايدن" أو بقية العالم. فقد تخلى عنهم المجتمع الدولي، وأهملهم الإعلام، وخانتهم معظم الدول العربية، وتجاهلتهم القيادة، التي أصبحت غير مرتبطة باحتياجاتهم، وأصبح مصيرهم الآن في أيديهم وحدهم، في الشوارع، ويبدو الآن كما لو كان الأمر سيستمر على هذا النحو.

وعندما ينفجر الصراع في القدس، لا يمكن للعالم أو المجتمع الدولي التظاهر بأنه لم تكن هناك إشارات تحذيرية حقيقية.

التعليقات (0)