الفلسطينيون في ظل موجة الحر الشديدة: حرمان من 3 بحار وبحيرة.. والمكيفات الملاذ الأخير

profile
  • clock 28 يوليو 2023, 11:14:41 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

رام الله-جنين-أريحا-“القدس العربي”:
يعكس “جبل الطويل” في مدينة البيرة الذي أقيمت عليه مستوطنة “بساغوت” (1981) جانبا من حكاية البلد مع النشاط الاستيطاني، لكنها في جانب آخر تسلط الضوء على جانب من تحولات المدينة مع التغير المناخي أيضا، فالبيرة التي كان ينظر إليها على أنها مصيف فلسطين التاريخي، أصبحت مع موجة الحر الشديدة مثل أي مدينة فلسطينية أخرى.
ويحكى أنه على جبل الطويل (860 مترا عن سطح البحر) قبل أن يتم احتلالها عام 1967 كان جبلها مقصدا للسياح العرب، وتحديدا القادمين من دول الخليج العربي، لقضاء وقت يطول أو يقصر في هواء المدينة العليل.
ويواجه الفلسطينيون موجة الحر الشديد التي تجتاح المنطقة بالسخرية أكثر مما يواجهونها بخيارات متاحة وحلول عملية تخفف عنهم وطأة الموجة الحرارية، مصدر تلك الحالة المليئة بالسخرية والتهكم هو مفارقة كبيرة يكرسها وجود الاحتلال الذي يسيطر على أكثر من 80% من مصادر المياه.
ورغم الحقيقة التي تقول إن الحدود المائية لفلسطين المحتلة متنوعة، حيث من الغرب يتمدد البحر الأبيض المتوسط على مسافة تصل إلى 224 كم، أما خليج العقبة، أو ما يعرف بالفرع الشرقي للبحر الأحمر، فيحتل مسافة تصل 10.5 كم، أما بحيرة طبريا، وهي المسطح المائي الوحيد في داخل فلسطين فيبلغ طولها 21.5 وعرضها 12.3كم، أما البحر الميت الذي يشترك في حدوده مع المملكة الأردنية الهاشمية فيبلغ عرضه في أقصى حد إلى 17 كم، بينما يبلغ طوله نحو 70 كم.
غير أن كل تلك المصادر المائية التي يمكن أن تؤدي دورا جوهريا في التخفيف من حرارة الجو في حالة الصيف القائظ تتحول في الوضع الفلسطينية إلى حالة من الحرمان، فأكثر من 90% من هذه المصادر يمنع الفلسطينيون في الضفة الغربية من الوصول إليها أو حتى التفكير فيها ضمن خياراتهم للتخفيف من حدة الحرارة.
وبحسب الأستاذ صامد صنوبر، فإن البحر بالنسبة إلى الفلسطيني هو “حكاية من الحرمان”.
ويقول صنوبر: “عدت إلى البلاد من دبي مطلع عام 2021، ومنذ ذلك الوقت تمكنت من زيارة البحر مرة واحدة فقط”.
ويتابع بحسرة: “كانت زيارة غير قانونية، (أي تهريب حيث يمنع سكان الضفة الغربية من دخول المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 والتي يقع فيها البحر الأبيض المتوسط)، ذهبت إلى عكا التي تقع على ساحل المتوسط، كنت أزورها لأول مرة في حياتي، لم أشعر بالأمن بسبب عدم وجود تصريح”.
ويشدد صنوبر: “عندما كنت في الغربة كان أحب شيء لقلبي هو البحر، وجزء كبير من هذا الحب للبحر نابع من الحرمان منه في أرض الوطن”.

سألت “القدس العربي” فلسطينيين من سكان الضفة الغربية (التي يعيش فيها نحو 3.19 مليون نسمة) سؤالا حول: كيف يقضون الساعات خلال موجة الحر الشديدة، وأين يذهبون كعائلات، أو كأفراد: سياحة وسفر للخارج، الذهاب للبحر؟ وكانت السخرية هي لغة الموقف في ردود أغلبيتهم.
محمد زبون، رأى في سؤال “القدس العربي” جمالا خاصا، لكنه أكد أن موقع السؤال فيه خلل كبير، وتحديدا مع الخيارات التي يقدمها إلى المسؤولين، فالفلسطيني بكل الظروف يعمل ولا يمتلك الخيارات الكثيرة.
وشدد على أن الخيارات في السؤال لم يكن ضمنها البقاء في المنزل كخيار للتعامل مع الحر الشديد، وكأن الفلسطيني يمتلك خيارات مثل السفر أو الذهاب للبحر.
يقول المواطن بهاء متهكما: “نأخذ إجازة شهر كامل ومنقضيها في المالديف”.
أما سعد عتيوي فيتحدث وكأنه متحدثا من الأرصاد الجوية الفلسطينية، إذ يقول: “ننصح الأخوة المواطنين بقضاء فترة الظهيرة ساعة على البطن، وساعة على الظهر، حتى تصبح مقرمشا من الخارج، وطريا ولذيذا من الداخل”.
أما بالنسبة إلى المواطن محمد كردي فإنه يتقن “قراءة المنشورات الصيفية وعمل حالة الإعجاب عليها بهدف زيادة برودة الجو”.

المجد للمكيف
وبرز المكيف في إجابات المواطنين بصفته المنقذ شبه الوحيد من براثن موجة الحر، فالمواطن فادي قبع يقول: “إنه الخيار الفلسطيني الأبرز، تشغيل المكيف، نجلس في المنزل أسفل المكيف، وفي السيارة نشغل المكيف”.
وعلق مواطن آخر قائلا: “فور انتهاء عملي، أركض للبيت وأرتمي تحت المكيف أنا وأفراد العيلة”.
ورغم أن المكيف خيار أغلبية الفلسطينيين، إلا أن جانبا من ردات المواطنين تعكس هاجسا بفعل استخدامه، حيث يقول مصعب مناصرة: “والله يخوي عين على المكيف، والعين الثانية على عداد الكهرباء”.
ويعلق المواطن مهند مصلح حول خصوصية العيش في أريحا في ظل الحر الشديد، حيث تعتبر أكثر المدن الفلسطينية حرارة، حيث وصلت درجة الحرارة فيها إلى 47 درجة مئوية، يعلق أن المواطن في المدينة أمام خيارين الأول، إما أن “يستحم ويجلس تحت المكيف، والثاني أن يجلس تحت المكيف ومن ثم يستحم”.
ويتابع: “خلاصة الحديث نخلع ملابسنا “مشلحين” (عرايا) بالبيت، وفاتورة الكهرباء بتلعلع بالعالي (مبالغ كبيرة)”.
ويضيف: “أنه خلال أقل من شهر قام بشحن كهرباء أكثر من 1200 شيقل (ما يقرب من 330 دولار).
ويستخدم مقطعا من أغنية شعبية حيث يقول” “وتلولحي يا دالية” (أي تراقصي يا شجرة العنب، في إشارة إلى الحال المائل).
ويسخر عمار عرقاوي من الحالة ويقول عن ماذا نفعل في مواجهة الحر: “نركب تكسي ونسير به في مشوار بعيد” في إشارة إلى أن السيارات العمومية تقوم بتشغيل مكيف الهواء بداخلها. وهي سخرية أكد عليها كل من محمد بشير الذي اقترح على الفلسطينيين الذهاب إلى البنك والبقاء فيه لأنه مكيف طوال الوقت، وكذلك الأمر مع عبد الرحيم الأسود الذي رأى أن المستشفى مكان مفضل، حيث “درجة الحرارة ٢٣ طول اليوم”.
أما عبد الرحمن جاك الذي يعمل في المجال الرائج فلسطينيا في فصل الصيف وهو السباحة، فيقول إنه يقضي أغلب الوقت مريض بفعل الحرارة العالية والجلوس تحت المكيف، وهو يرى أن وقت العمل بالنسبة إليه لا يشكل أي مشكلة مع الحرارة لكونه يعمل في مجال السباحة، حيث يبقي في الماء.
وبحسب المقدم نائل العزة، مدير العلاقات العامة والإعلام في الدفاع المدني الفلسطيني، فإن عدد المسابح العاملة والمرخصة من الجهاز بلغ ما يقرب من 91 مسبحا ومتنزها خاصا.
ورغم أن الفترة الماضية، أي ما قبل موجة الحر، شهدت تراجعا في إقبال المواطنين على المسابح كما يرى إبراهيم عبوشي، مدير مسبح الوادي الأخضر في مدينة جنين بسبب الظروف السياسية العامة في المدينة، إلا أن موجة الحر الأخيرة ضاعفت من الإقبال على المسابح بصفتها متنفسا للمراهقين والأطفال الصغار.
أما مسعود حلاوة فيقول إن العمل بالنسبة إليه حالة من الحياة في ظل الحر الشديد، أما أهل منزله فيمضون الوقت في حوض الاستحمام، فيما العائلة تحشر نفسها معا في الغرفة الرئيسية التي وضع فيها جهاز التكييف.
ويضيف حلاوة: “يا ريي لو نوجه سؤالك إلى عشاق الصيف، هذا أمر يجعلنا نأخذ منهم الإجابة الشافية، ونتعرف على أسباب حبهم للصيف”.

وخلال موجه الحر، سادت حالة من التنمر الإلكتروني بحق عشاق فصل الصيف، وتحديدا أصحاب المقولة الشهيرة “الصيف بِظل أرحم”.
ويركز نبيه زهير على الوضع الاقتصادي مشددا على أن الشعب يعاني ضائقة مالية، وبالنسبة إليه فإن خياراته محدودة، حيث يمشي ويشرب الكثير من المياه.
ويرى أن الشعب “كله لا يتحمل بعضه، فالكل عصبي بالشوارع ويكفي أخبار تنكيل الاحتلال بالمواطنين يوميا”.
ويقول أسيد عمارنة إنه لاحظ على نفسه تعكر مزاجه بفعل الحرارة، حيث أصبح خلقه ضيقا، وأصبح “يتفشش باللي حوليه سواء بالدار أو بالشغل”.
أما عبد الحاج فيسخر على طريقته، حيث يخبرنا أنه يقضي الوقت في الجلوس على بلاط المنزل بحثا عن البرودة التي تحتفظ بها، فيما يشدد مريد برغوثي على أنه “مثل الضفادع من بلاطة لبلاطة يبحث على أيها أكثر برودة”.
ويشكو برغوثي من الجيوب الأنفية المغلقة، ومن والتعرق الشديد التي تدفع المواطنين للاستحمام أكثر من مرة في اليوم، وهو ما يترافق مع وضع اقتصادي صعب.
أما مصعب سلامة ومؤيد ذياب، فإن الحل بالنسبة إليهما فهو البقاء في البيت تحت المكيف حتى في ساعات المساء. ويشدد لؤي إسماعيل على أن التعاطي مع الحر الشديد يكون من خلال التكيف معه وتناسيه، أما التفكير في الخيارات المتاحة وغير التقليدية فتجلب الهم والنكد. وبالتالي “بلا منها”.
ويقسم المواطن أحمد برغوثي الفلسطينيين في مواجهة الحر الشديد حيث يقول: “البحر محتل، وهذا الخيار خاص بجماعة B.M.C (مجموعة من التجار تحصل على ترخيص دخول تجاري للأراضي الفلسطينية عام 1948 من سلطات الإدارة المدنية التابعة للاحتلال)، القسم الثاني من يتمكن من الوصول إلى البحر عبر التهريب، وهو أمر صعب على العائلات، أما القسم الثالث فهو خاص برواد المسابح في الضفة الغربية، أما القسم الرابع وهو قسم يضم الغالبة العظمي من سكان الضفة الغربية فهؤلاء حيث يعملون ويعيشون في ثنائية عمل-بيت، وبيت عمل.
ويختم بكل الأحوال فإن الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة تعني ارتفاعا ملحوظا في ارتفاع فاتورة الكهرباء.
ويتحدث علي عبد الرزاق من جنين ومخيمها عن تأثير وواقع مختلف للحرارة حيث يقول: “إلى جانب سخونة المنطقة حيث المواجهات والاقتحامات، حلت علينا سخونة الجو وهو ما ترافق مع انقطاع للكهرباء في المخيم”.
ويضيف عارضا حالة خاصة بسكان المخيم: “إذا كنت من جنين ومخيمها ووقفت على أحد حواجز الاحتلال، فمن المؤكد أن ينتقم منك الجنود الذين لن يتأخروا عن عملية “شويك تحت الشمس حرفيا” (احتجازك تحت أشعة الشمس).

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قد دعا، يوم أمس، إلى اتخاذ إجراءات جذرية فورية تتعلق بالتغير المناخي، مؤكدا أن درجات الحرارة المرتفعة بشكل كبير في تموز/يوليو تؤشر إلى بدء “عصر الغليان العالمي”.
ووصف غوتيريش، في نيويورك، إن موجات الحر في نصف الكرة الأرضية الشمالية “مرعبة”، “انتهى عصر الاحتباس الحراري. حل عصر الغليان العالمي”.
ووصف غوتيريش الحرارة المرتفعة في نصف الكرة الأرضية الشمالي بأنها “صيف قاس”، ورأى أن التأثيرات الشديدة للتغير المناخي تتماشى مع “التوقعات والتحذيرات المتكررة” من العلماء، مضيفا أن “المفاجأة الوحيدة هي سرعة التغيير”، وأضاف: “الهواء غير قابل للتنفس والحرارة لا تطاق. ومستوى أرباح الوقود الأحفوري وتدهور المناخ غير مقبول”.
وعلى أهمية تصريحات الأمين العام، فإن الأمر بالنسبة إلى أكثر من 3 مليون فلسطيني مختلف، فالمسألة بالنسبة إليهم أبسط، ومعاناتهم اليومية وإن كانت بسبب قضية عالمية فإن ما يمنع عنهم الاستجمام كباقي البشر في المصادر المائية التي لهم هو الاحتلال وسيطرته عليها وتقسيماته الظالمة.

كلمات دليلية
التعليقات (0)