- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
العراق: حكومة السوداني تغازل الشارع بالوظائف والمنح
العراق: حكومة السوداني تغازل الشارع بالوظائف والمنح
- 5 يناير 2023, 9:01:28 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أطلق رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال الأسبوعين الماضيين، حزمة جديدة من القرارات تضمّنت أوسع عملية توظيف في الدولة العراقية منذ عام 2009، إذ وجّه بتثبيت أكثر من 300 ألف شخص في وظائف حكومية ضمن ما يعرف محلياً بـ"المتعاقدين".
وشملت وزارات التربية والبلديات والصحة والنفط والداخلية والدفاع والإعمار والنقل والإسكان ودواوين الأوقاف ووزارات وشركات مختلفة، منها مفوضية الانتخابات والنزاهة وسلطة الطيران المدني، إلى جانب إعادة تفعيل المنح المالية غير المستردة للصحافيين ضمن نقابة الصحافيين، وإعفاءات وقروض ميسّرة للفلاحين والصناعيين.
الخطوة لاقت اعتراضات واسعة من قبل خبراء اقتصاديين، حذروا من ترهل وظيفي كبير في البلاد، مع التذكير بأن أسعار النفط الحالية لن تستمر، وسيواجه العراق مشكلة في تمويل مرتبات الموظفين والمتقاعدين والعاملين في القطاع العام وشبكة الحماية الاجتماعية، والذين تجاوز عددهم عتبة التسعة ملايين نسمة، بإجمالي مرتبات شهرية تبلغ نحو 6 مليارات دولار.
هادي السلامي: السوداني يسعى إلى إرضاء العراقيين عبر التعيينات لخوفه من تفجر الاحتجاجات في أي لحظة
في المقابل، اعتبر مراقبون هذه القرارات جزءاً من حملة تحالف "الإطار التنسيقي" الحاكم، لإعادة ترميم صورته أمام الشارع بعد حلوله متأخراً في قائمة القوى الفائزة بالانتخابات، وتصدّر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021 بفارق كبير بلغ النصف عن أقرب منافسيه، وهو تحالف نوري المالكي (ائتلاف دولة القانون).
حزمة قرارات للسوداني
وعبر قرارات ومراسيم رئاسية، أصدر السوداني بين 18 و30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، حزمة من القرارات التي تشمل الطبقات الأكثر تضرراً في المجتمع، كان أبرزها تمليك المواطنين للأراضي الزراعية التي شيدوا عليها منازل بدون ترخيص خلال السنوات العشرين الماضية، ضمن ما يعرف بـ"العقود الزراعية"، ويبلغ عددها وفقاً لآخر تقديرات أكثر من مليون وحدة سكنية في مختلف مدن العراق.
كما أصدر قرارات تثبيت عقود العاملين في الشركات الحكومية العامة، والوزارات، كان أبرزها وأكثرها عددا لمتعاقدي وزارة التربية، الذين يبلغ عددهم نحو 200 ألف شخص، بين معلم محاضر وإداري.
وأصدر السوداني قرارات بإعادة المنح السنوية للصحافيين والإعلاميين، ضمن نقابة الصحافيين العراقية، والبالغ عددهم أكثر من 20 ألف شخص، ومنح المزارعين والصناعيين قروضاً ميسّرة. وأصدر عفواً عن ديون الفلاحين المتعسرة، وسط حديث عن قرب صدور قرارات أخرى مثل رفع مرتبات الحد الأدنى للموظفين.
حملة من "الإطار" لتلميع صورته
القرارات التي لاقت ترحيباً احتفالياً من قبل قوى "الإطار التنسيقي"، والتي اعتبرها قياديون فيه أحد "إنجازات حكومة الإطار التنسيقي"، اعتبرت أيضاً بأنها حملة سياسية مبكرة من قبل "الإطار" لتلميع صورته، وإعادة شعبيته داخل الوسط العربي الشيعي على وجه التحديد، على حساب التيار الصدري الخامل سياسياً منذ عدة أشهر.
وبين فترة وأخرى تُجدد حراكات مدنية عراقية التلويح بالعودة إلى الشارع وإعادة ترتيب قاعدتها الشعبية، لمواصلة كفاحها لتلبية الحقوق الشعبية، مثل "إنهاء المحاصصة الطائفية" و"كسر احتكار القوى الدينية للمشهد السياسي على البلاد"، التي باتت من بين أبرز مطالب تلك القوى، وسط خشية من أن يكون وجود التيار الصدري خارج العملية السياسية عاملاً مساعداً في تأجيج الشارع ضد حكومة السوداني التي شكلها خصوم الصدر في "الإطار التنسيقي".
وقال القيادي في تحالف "الإطار التنسيقي" عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إن "حزمة القرارات الأخيرة، كانت ضمن شعار الحكومة الخدمية التي تعهد بها تحالفنا (الإطار التنسيقي)، وهي لا تحسب إلى السوداني فقط، بل للأحزاب التي تريد إجراء الإصلاحات الحقيقية".
ونفى أن تكون هذه القرارات "أداة تهدئة للغاضبين من الفساد الذي وقع خلال الحكومات الماضية بقدر ما هي قرارات كانت لا بد من أن ترى النور خلال السنوات الماضية"، مضيفاً أن "حق الاحتجاج والتظاهر السلمي متاح بشرط ألا يتم التجاوز على الممتلكات العامة".
سعي لإرضاء العراقيين عبر التعيينات
لكن النائب المستقل هادي السلامي أشار إلى أن "السوداني، والفريق السياسي داخل مكتبه، يسعى إلى إرضاء العراقيين عبر التعيينات وإغداق الوعود على المواطنين، لأنه خائف جداً من تفجر الاحتجاجات في أي لحظة".
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "بعض القرارات مهمة ومن غير الإنصاف بخس حقها، لكن هذه الحكومة ضعيفة في مواجهة الفساد الذي لا يزال مستشرياً في الدوائر، ناهيك عن استمرار تمسك القوى الفاعلة فيها بالوزارات والدوائر المهمة فيها، وهو ما يسجله المراقبون والناشطون عليها". واعتبر أن "استمرار القوى التي تملك السلاح في التحكم بالمشهد السياسي يعني أن الوضع الاجتماعي قد يسوء أكثر".
أيهم رشاد: القرارات محاولة التفاف على إرادة التغيير الشعبية
من جهته، وصف عضو التيار المدني العراقي، أحمد حقي، في حديث لـ"العربي الجديد"، قرارات حكومة السوداني بأنها "جزء من تلميع صورة الإطار التنسيقي المتراجعة داخل الوسط العربي الشيعي في المحافظات الجنوبية، التي تشكل ثقل سكان العراق على حساب التيار الصدري الخامل سياسياً".
وأضاف حقي أن "تراجع قوى الإطار التنسيقي في الانتخابات لصالح التيار الصدري جعلها تبدأ مبكراً بتلميع صورتها مجدداً بالوظائف والمنح، من دون أن تسأل نفسها إذا انخفض سعر النفط كما حصل عام 2019 من أين سندفع لهذه الجيوش مرتباتها؟". وتابع: "كان الأجدى بهم تشغيل آلاف المصانع العراقية المتوقفة وتفعيل القطاع الخاص، بدلاً من الدفع بمئات آلاف الوظائف التي هي فائضة عن حاجة البلاد".
واعتبر أن تشغيل القطاع الخاصة وإعادة الإنتاج يعني الاستغناء بشكل كبير عن الاستيراد من دول الجوار خصوصاً إيران وتركيا، وهو ليس مطروحاً على الأقل في حكومة السوداني، وفق قوله. وختم بالقول إن "بعض القرارات تعتبر حقوقا واجبة، مثل أن يكون لكل عراقي منزل في وطنه وأن يكون له خدمات أساسية، لكن قوى الإطار التنسيقي احتفلت بها وكأنها منحة أو منّة من جيوبهم".
محاولة التفاف على إرادة التغيير
وفي السياق، قال عضو الحزب الشيوعي العراقي أيهم رشاد، لـ"العربي الجديد"، إن "تحالفات مدنية ووطنية وتجمعات شبابية من بينها تحالف قوى التغيير الديمقراطية، كانت قد أعلنت مواقفها الصريحة بشأن رفض هذه الحكومة، وما يصدر عنها من قرارات احتيالية على الموقف الشعبي الرافض لأحزاب السلطة التي لا تزال تعمل بنهج المحاصصة والتناوب على مقدرات وأموال العراق بطرق غير قانونية"، واصفاً القرارات الأخيرة بأنها "محاولة التفاف على إرادة التغيير الشعبية".
أما السياسي العراقي البارز غالب الشابندر فاعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "رئيس الحكومة الفعلي في العراق ليس السوداني، بل نوري المالكي، بالتنسيق مع قادة بعض الفصائل المسلحة". وأضاف الشابندر، وهو عضو منشق عن حزب الدعوة الإسلامية، أن "المالكي هو الأكثر تأثراً بما يجري في العراق، لأن الحقبة التي حكم فيها العراق هي الأكثر جحيمية، لذلك فهو يريد أن يرفع الاتهامات عنه في فشله بإدارة البلاد".
ورأى أن "تفجر الاحتجاجات في العراق لا يزال واردا ومتوقعا، وقد تكون أقوى من الاحتجاجات التي حدثت نهاية عام 2019، لا سيما وأن مستوى الوعي الشعبي قد زاد بشكلٍ يمهد لإحداث تغيير شامل، وأن القرارات الحكومية الهادفة لتخدير الشعب العراقي قد تحقق مفعولاً، لكن لفترة قصيرة".