- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
الاتجاهات الرئيسية في الدورة السابعة لمؤتمر ستوكهولم للأمن
الاتجاهات الرئيسية في الدورة السابعة لمؤتمر ستوكهولم للأمن
- 18 نوفمبر 2022, 7:45:07 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عقد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، على مدار خمسة أيام من 8 إلى 14 نوفمبر الجاري، الدورة السابعة من مؤتمر ستوكهولم للأمن، الذي جاء بعنوان “اتجاهات الصراع والحرب في القرن الحادي والعشرين: آثار وتداعيات الحرب في أوكرانيا”. وجاء اليوم الأول تحت عنوان “الوسائل والأساليب المستخدمة في حرب أوكرانيا: الدروس والآثار”، ثم جاء اليوم الثاني تحت عنوان “آثار الحرب في أوكرانيا على النظام العالمي المتعدد الأطراف وعلى الديناميكيات الإقليمية”، ثم جاء اليوم الثالث بعنوان “مخاطر نووية جديدة وقديمة: غموض استراتيجي”، قبل أن يأتي اليوم الرابع بعنوان “مدنيون محميون أم مستهدفون؟ التداعيات داخل وخارج ميدان المعركة”. أما اليوم الخامس فحمل عنوان “أوكرانيا والمناخ والإنترنت والغذاء- عالم مليء بالتحديات: ماذا بعد؟”.
مقاومة العزلة
أشار المؤتمر إلى أن الحرب الأوكرانية أظهرت بصورة لافتة تمتع روسيا بعلاقات دولية قوية؛ وذلك في ضوء مواقف الدول من الحرب، التي كشفت عن أن روسيا ليست معزولة كما يسعى الغرب إلى تصويرها، ويتضح ذلك عبر ما يلي:
1- تفضيل عدد كبير من الدول تبني الحياد تجاه الحرب: حرصت العديد من دول العالم على تبني الحياد تجاه الحرب الأوكرانية، بشكل برز على سبيل المثال في سلوك الدول التصويتي في الأمم المتحدة، وهو ما يعد نجاحاً كبيراً للدبلوماسية الروسية التي تمكنت من إفشال المسعى الغربي الرامي إلى فرض عزلة دولية كاملة على موسكو. كما أظهرت الحرب محورية دور الدول الصغيرة والمتوسطة في النظام الدولي؛ حيث باتت القوى العظمى تعول على أدوار هذه الدول لدعم مواقفها أو تستنجد بها لحل أزماتها.
2- إبراز الحرب قوة علاقات روسيا بدول آسيا وأفريقيا: على الرغم من النظرة الغربية التي تدين في المطلق روسيا نتيجة تدخلها العسكري في أوكرانيا، فإن الأمر مغاير بالنسبة لمعظم الدول الآسيوية والأفريقية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي؛ حيث ترتبط الكثير من الدول الآسيوية والأفريقية بعلاقات صداقة واسعة مع روسيا، وتحظى موسكو بدعم شعبي واسع نتيجة مواقفها السابقة لدعم هذه الدول، إلى جانب علاقاتها العسكرية الكبيرة مع روسيا.
3- إظهار الحرب وجود علاقات مميزة بين الصين وروسيا: عبرت الحرب الأوكرانية عن تمتع الصين وروسيا بعلاقات مميزة للغاية، وهو ما تجلى في موقف بكين من الحرب؛ حيث تشجع بكين محادثات السلام وتصر على حل النزاع في أوكرانيا بالطرق السلمية، وتعارض استخدام الأسلحة النووية. ومن الملاحظ أن الحرب الأوكرانية أحدثت تغييرات إيجابية على العلاقات بين البلدين، وأظهرت تمتعهما بعلاقة طويلة من التعاون والشراكة الاستراتيجية.
4- مساهمة الحرب في تعميق العلاقات الروسية الهندية: حرصت الهند على تبني موقف حيادي تجاه الحرب الأوكرانية؛ لرؤيتها أن ذلك الحياد سيخدم مصالحها. وكان من الطبيعي ألا تُقدم نيودلهي على اتخاذ موقف مضاد لروسيا في ضوء تشعب مصالح البلدين واعتماد الهند على صادرات روسية هامة، يأتي على رأسها الصادرات العسكرية التي تمثل نحو 60% من إجمالي صادرات الهند من الأسلحة، فضلاً عن صادرات الهند من الطاقة الروسية، التي تزايدت بشكل ملحوظ خلال الحرب.
أدوار متغيرة
رأى المؤتمر أن الحرب الأوكرانية أثرت بشكل لافت على القوى الكبرى في النظام الدولي وأدوارها، ويتضح ذلك عبر ما يلي:
1- تقليل العقوبات قدرة روسيا على حسم الصراع: تأثرت روسيا بشكل بالغ نتيجة العقوبات الغربية غير المسبوقة التي تم فرضها عليها على خلفية تدخلها العسكري في أوكرانيا؛ إذ أثرت هذه العقوبات سلبياً على قدرة موسكو على حسم الحرب لصالحها سريعاً كما كان متوقعاً في بداية تدخلها العسكري.
2- تعزيز إمكانية حدوث تدخل عسكري صيني في تايوان: توقع الكثيرون أن تعزز الحرب الأوكرانية من فرص اندلاع حرب شبيهة في تايوان؛ حيث تراقب الصين بدقة الحرب الدائرة في أوكرانيا للاستفادة من مجرياتها ومساراتها. ويمكن القول حتى الآن إن الموقف الصيني وطريقة تعاطي بكين مع الحرب يُوحي بأن الصين تفضل الحلول السلمية بشأن تايوان، ولا ترغب في إدخال المنطقة في حرب شاملة.
3- تهديد الحرب صراحةً أمن الولايات المتحدة: كانت الحرب الأوكرانية بمنزلة تهديد صريح للولايات المتحدة، وتعد هذه المرة هي الأولى التي يتم فيها تهديد الأمن الأمريكي عبر صراع لا تنخرط فيه واشنطن بشكل مباشر؛ حيث حرصت واشنطن على أن تقدم دعماً عسكرياً واستخباراتياً لأوكرانيا، وهو ما ساهم بشكل كبير في تعزيز قدرة كييف على الصمود في مواجهة الهجمات الروسية.
4- تقليص النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط: لم تعد الولايات المتحدة لاعباً مؤثراً في منطقة الشرق الأوسط كما كانت في السابق؛ حيث تحول اهتمامها إلى مناطق وقضايا أخرى مثل منطقة الهندوباسيفيك والحرب الأوكرانية، كما منح انسحاب واشنطن التدريجي من الشرق الأوسط فرصة لفواعل دوليين لسد الفراغ مثل روسيا والصين.
طفرة تسليحية
شدد الحضور في المؤتمر على أنه كان للحرب الأوكرانية تداعيات عديدة على أنظمة التسليح العالمية والإنفاق العسكري في العالم، ويتضح ذلك عبر ما يلي:
1- دفْع الحرب الأوكرانية الدولَ إلى زيادة إنفاقها العسكري: لعبت الحرب الأوكرانية دوراً رئيسياً في تسريع الاتجاه التصاعدي في الإنفاق العسكري العالمي؛ حيث نبهت الحرب الدول إلى ضرورة إدراك التهديدات مبكراً والعمل على الاستعداد لمواجهتها. ومن هذا المنطلق قد تبرر الدول الآسيوية اتجاهها لزيادة الإنفاق العسكري بمخاوفها من تنامي القدرات العسكرية للصين.
2- تراجع نسبة تقارير الإنفاق العسكري المقدمة للأمم المتحدة: حدث تراجع في معدلات مشاركة الدول للتقارير التي تكشف عن مستويات إنفاقها العسكري للأمم المتحدة بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي أفضت إلى الاتجاه نحو السرية. ودعا الحضور الدول إلى التركيز على الخصوصية لا على السرية، وأن تكون لدى الحكومات شفافية بشأن إنفاقها العسكري.
3- إبراز الدور المحوري للأسلحة المتطورة في ساحة المعركة: كشفت الحرب الأوكرانية عن أهمية المزج بين التكنولوجيا والتنظيم والأفراد في ساحة المعركة، كما أظهرت أهمية المزج بين التقنيات التسليحية القديمة والجديدة. وأبرزت الحرب الأوكرانية أهمية امتلاك الصواريخ المتطورة لتحقيق مكاسب استراتيجية في ساحة المعركة. ونوه الحضور بأنه لوحظ استخدام روسيا وأوكرانيا عدداً كبيراً من الطائرات المسيرة.
4- إظهار اهتمام الدول بملء مستودعاتها بالأسلحة والعتاد: في ضوء وجود توقعات باستمرار الحرب الأوكرانية لفترة طويلة، ظهرت أهمية تركيز الدول على تعزيز قدراتها العسكرية والاستثمار في إنتاج الأسلحة، كما ظهرت كذلك أهمية اهتمام الدول بمخزوناتها من السلاح. ومن المتوقع مواصلة الأطراف المباشرة وغير المباشرة في الحرب مساعيها لملء مستودعاتها بالأسلحة والعتاد. وبات أي حديث عن نزع السلاح أو تقليص حجم الإنفاق العسكري في ظل استمرار الحرب الأوكرانية غير واقعي.
5- تأكيد جودة السلاح الأمريكي مقارنةً بالسلاح الروسي: سيكون للحرب الأوكرانية تأثيرات كبيرة على مستوى مبيعات السلاح العالمي والدول الرائدة في مجال تصدير السلاح في السنوات المقبلة؛ حيث قدمت الأسلحة الأمريكية نفسها في الحرب كخيار استراتيجي نوعي قادر على إحداث الفارق في مسارات الحروب، بينما أثبتت الأسلحة التقليدية الروسية عدم قدرتها على إحداث فارق كبير، بل ظهرت الأسلحة الروسية بمظهر الأسلحة التي عفا عليها الزمن مقابل الحسم الكبير الذي وفرته منظومات السلاح التي قدمتها الدول الغربية لأوكرانيا.
6- تعزيز الحرب أهمية وتأثير التكنولوجيا بساحات المعارك: تحدث الحضور عن التأثير التكنولوجي الذي يُستخدم ضد العدو على الصعيدين العسكري والمدني؛ حيث أصبحت التكنولوجيا والتنظيم والأفكار عوامل من المهم تضافرها في ساحة المعركة. وتبرز أهمية امتلاك الحكومات القدرة على مراقبة الوصول إلى التكنولوجيا التي ستُستخدم في تطوير الأسلحة العسكرية علاوةً على إيلاء أهمية للحرب الإلكترونية التي ستقوم بها قوات صغيرة تقاتل على مساحة كبيرة.
تجرؤ نووي
شدد المؤتمر على أن الحرب الأوكرانية عززت المخاوف من استخدام الأسلحة النووية، بالنظر إلى عدد من المؤشرات يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- إظهار الحرب غياب ضمانات لمنع استخدام السلاح النووي: أوضحت الحرب الأوكرانية أنه لا يوجد ما يضمن استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها، كما أوضحت أن الردع قد يفشل في منع الدول من استخدام أو امتلاك الأسلحة النووية للدفاع عن نفسها، وخصوصاً إذا ارتأت الدولة بأنها مهددة. ولم يعد قرار استخدام الأسلحة النووية يتعلق بدرجة رشادة الحكومات بقدر ما يتعلق بتوجهات القادة السياسيين ورغبتهم في الانتصار.
2- إبراز الحرب أهمية وجود ضمانات لحماية المنشآت النووية: توجد مؤشرات سابقة على وقوع هجمات على منشآت نووية سواء تحت الإنشاء أو تحت التشغيل الكامل في مختلف المناطق من العالم. وقد حدث هذا الأمر في الحرب الأوكرانية، ويدلل على ذلك الهجمات المقلقة التي وقعت في محيط محطة زابوريجيا النووية. وتظهر في مثل هذه الحالات أهمية دور الأدوات القانونية والقرارات التي تضمن سلامة وأمن محطات الطاقة النووية خلال أي نزاع مسلح، فضلاً عن العقوبات الرادعة عن القيام بمثل تلك الأعمال.
3- غياب الدور الرادع للأسلحة النووية في الحروب التقليدية: أظهرت الحرب الأوكرانية فشل الردع النووي الروسي بالرغم من الترسانة النووية الروسية الكبيرة، وعدم قدرة هذه الترسانة على إحداث فارق في الحرب على أرض الواقع، بل أثبت السلاح النووي أنه في الحروب التقليدية سيكون عبئاً على مالكه، في حين أن التأثير الحقيقي يكون للأسلحة التقليدية، خاصةً أنه لا يمكن استخدام الأسلحة النووية إلا بشروط صعبة التحقق.
4- دفع الحرب روسيا نحو السعي لتطوير قدراتها النووية البحرية: تعمل الحكومة الروسية على تطوير قدراتها النووية البحرية بشكل مستمر، بحيث تنتقل من قدرات الحقبة السوفييتية إلى نظام أكثر حداثة؛ وذلك بهدف حماية حدودها. ولفت الحضور إلى أنه سيتم إغراق أي سفن تحاول مهاجمة الحدود البحرية الروسية. ووفقاً للحضور، فإنه في ضوء تراجع القدرات الروسية على مستوى القدرات والأسلحة التقليدية، فإن ذلك يجعل موسكو تلوح بشكل دائم بإمكانية استخدام قدراتها النووية لحسم الحرب في أوكرانيا.
5- تنامي تهديدات الصواريخ غير النووية والصواريخ المزدوجة: كشفت الحرب الأوكرانية عن تنامي تهديدات الصواريخ غير النووية والصواريخ ذات القدرات المزدوجة؛ حيث تمتلك هذه الصواريخ القدرة على حمل الرؤوس الحربية التقليدية والنووية. وتتمثل مخاطر تطوير مثل هذه الأسلحة في اتساع انتشار الصواريخ الاستراتيجية غير النووية.
معاناة اقتصادية
أكد المؤتمر أن التأثيرات الاقتصادية للحرب الأوكرانية امتدت إلى مختلف المناطق في العالم، وتحديداً الطاقة والأمن الغذائي، مشيراً إلى أن أهم التأثيرات الاقتصادية للحرب تتمثل فيما يلي:
1- إحداث الحرب اضطرابات بسلاسل الإمداد العالمية: تسببت الحرب الأوكرانية في ارتفاع الأسعار العالمية والتأثير بشكل سلبي وإحداث اضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية؛ حيث جعلت دولاً مثل الهند وكازاخستان تُعيد النظر في سياسات الاستيراد والتصدير. ونوه الحضور أن الحرب دفعت العديد من الدول للبحث عن خطط بديلة لتنويع مصادر الطاقة والموردين.
2- تعميق الحرب الخلافات بين الدول نتيجة شح الموارد: ساهمت الحرب الأوكرانية في تعميق انقسام دول العالم بين العالم الديمقراطي والعالم “الاستبدادي” أو غير الديمقراطي، وفق ما ذكر الحضور بالمؤتمر. وأصبح الانقسام بين الغرب والجنوب العالمي أكثر كثافة في ظل الطلب المتزايد على الموارد الطبيعية من الدول الأكثر فقراً من جهة، وتقليل الدول الغنية لمساعداتها من جهة أخرى.
3- إبراز الحرب أهمية الدول المنتجة والمصدرة للطاقة: أبرزت الحرب الأوكرانية دور الدول المنتجة للطاقة على المستوى الدولي، وخصوصاً دول الخليج العربي التي تمكنت من تعزيز نفوذها في سوق الطاقة العالمية، كما ساهمت الحرب في تعزيز مكانة دول أخرى، على غرار الجزائر، التي أصبحت مورداً مهماً للطاقة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، بشكل عزز نفوذ ومكانة الجزائر في المغرب العربي ومنطقة الساحل.
4- تزايد الضغوط على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: تأثرت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل بالغ نتيجة الحرب الأوكرانية؛ حيث تسببت الحرب في تزايد الضغوط المتعلقة بواردات الحبوب والأغذية والطاقة، وهو الأمر الذي أضر بدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل خاص، بشكل دفع هذه الدول إلى الانشغال بالبحث عن حلول لأزماتها الاقتصادية التي تعمقت في ظل الأزمة.
5- دفع الحرب أوروبا نحو زيادة التعاون الاقتصادي مع آسيا: دفعت الحرب الأوكرانية الدول الأوروبية والآسيوية للسعي إلى زيادة تعاونها وانخراطها بشكل أكبر بعضها مع بعض، وأصبحت الدول الأوروبية منفتحة على التعاون اقتصادياً وتجارياً بشكل أساسي مع الدول الآسيوية بشكل أكبر مما سبق. كما أعادت دول آسيوية النظر في خططها بشأن بناء طرق ومواصلات متصلة بأوروبا.
دروس مستفادة
وختاماً، أكد الحضور في المؤتمر بعض الدروس المستفادة من الحرب الأوكرانية، ويأتي على رأسها ضرورة إحداث توازن بين الإنفاق العسكري والتنمية. وشدد الحضور على أن الحرب الأوكرانية خلقت تحديات اجتماعية واقتصادية غير مسبوقة في العالم، وأحدثت تحولاً في موازين القوى في النظام الدولي. وأشار الحضور إلى أهمية تعزيز دور المؤسسات الدولية حتى تلعب دوراً استباقياً لمنع الصراعات والحروب في العالم، مضيفين أن الحرب الأوكرانية انعكاس لفشل هذه المؤسسات في لعب دورها التقليدي.