- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
الأطرش.. صمود يتحدى التهجير والتجريف في النقب
الأطرش.. صمود يتحدى التهجير والتجريف في النقب
- 14 يناير 2022, 3:38:33 م
- 569
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
عرب48: جلس الشيخ كايد الأطرش، على كرسيه الصغير على بعد عشرات الأمتار متجذرا في أرضه التي اقتحمتها عناصر الشرطة الإسرائيلية التي توفر الحماية لجرافات ما تسمى الـ"كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل - "كاكال")، والتي قامت بتجريف مئات الدونمات من الأراضي في قرى الأطرش وسعوة والرويس بمنطقة النقب، تمهيدا لتحريشها ومصادرتها.
عاش الشيخ الأطرش (84 عاما) الذي عايش النكبة، حين كان عمره 10 أعوام، عقودا من المعاناة والقمع أسوة بأهالي وأصحاب الأراضي في القرى مسلوبة الاعتراف إسرائيليا، مستذكرا معركة الصمود في مواجهة المخططات الإسرائيلية لتهجير السكان واقتلاعهم من أرضهم.
أمام مشاهد التجريف التي تنفذها آليات وجرافات السلطات الإسرائيلية بأراضي الأطرش، وقمع واعتداءات عناصر الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة التابعة لها على سكان القرية والمتضامنين والفتية والأطفال والنساء، بقي الشيخ الثمانيني متمترسا في مكانه في حوش منزل الصفيح برفقة البعض من أولاده وأحفاده، دون أن يزحزحه عنف وقمع الشرطة وقنابل الصوت والغاز والرصاص الإسفنجي الذي أطلق على المعتصمين بالأراضي.
مشاهد وأحداث
بين جولات ومعارك كر وفر دارت بين الفتية وأطفال القرية من جهة وعناصر الشرطة وقوات القمع من جهة ثانية، جلست إلى جوار الشيخ الأطرش الذي نأى بنفسه عن الحديث لعناصر الشرطة الذين طالبوه بمغادرة المكان، لكنه بقي راسخا وشامخا في مكانه. بادلته أطراف الحديث، لكنه طالبني بالتكلم بصوت عال بسبب ثقل سمعه.
رغم ثقل سمع الشيخ الثمانيني إلا أن ذاكرته لم تخنه، فقد شهد النكبة حينما كان في العاشرة من عمره، ولا تزال فصولها ومشاهدها وأحداثها راسخة في ذاكرته، قائلا لـ"عرب 48": "نحن هنا قبل إسرائيل، وسنبقى نعيش على أرضنا إلى الأبد، وهذه موروث وجودي ننقله لأولادنا وأحفادنا، لن نرحل.. نحن بمعركة صمود على وجودنا في أرضنا.. من يتنازل عن أرضه لا وجود له".
وتساءل الشيخ الأطرش بنبرة عزة وصمود: "من هذه إسرائيل؟ قواتهم وشرطتهم لم ولن ترهبنا، وجرافاتهم لن تقلعنا، نعيش سنوات طويلة من المعاناة والمخاطر، ما يحدث في الأطرش والقرى المجاورة تعيدنا إلى أحداث النكبة ومحاولات التهجير والتشريد خلال فترة الحكم العسكري، لكن السكان صمدوا في قراهم وتجذروا في أراضيهم".
صمود وبقاء
يرمز الشيخ الثمانيني إلى الجيل والسكان الذين لم ينزحوا قسرا، هروبا من فظائع النكبة، وهي المشاهد التي تتكرر في هذه المرحلة على آلاف الدونمات بقرية الأطرش التي تعيش ضجيج الجرافات التي تسابق الزمن لمواصلة أعمال التجريف التي اخترقتها أصوات القنابل لقمع وتفريق سكان القرية، خاصة مع توافد الحشود من المتضامين والمساندين لنضال السكان في معركة الصمود والبقاء.
تعالت أصوات القنابل وسط تصاعد وتيرة الحراك الشعبي للمتضامنين، إذ غادرت محدثي الشيخ الأطرش لتوثيق قمع واعتداءات قوات الشرطة على الفتيات والفتية والأطفال والشبان الذين شكلوا الشريحة الأكبر ممن تصدوا للجرافات بشموخ وقوة وعزيمة رفضا للتهجير والتشريد، إذ طاردتهم بين منازل الصفيح واعتقلت بعضهم.
انسحبت قوات الشرطة وفشلت على الرغم من الاعتداءات والقمع لإبعاد السكان عن أراضيهم، وعلى الرغم من تصاعد التوتر ووتيرة الاعتقالات والقمع، عاد الفتية والأطفال والفتيات والنساء إلى مواقعهم في مقدمة خط المواجهة مع عناصر الشرطة. عدت بدوري إلى محدثي الذي بقي راسخا على كرسيه الذي تحدث عاليا وعلى وجنتيه ابتسامة عريضة.. "هذا الجيل لا يهاب ولا يخاف.. لن ينهزم وسيبقى في الأرض".
عاد الشيخ الأطرش بذاكرته إلى المشاهد الأولى للنكبة، قائلا إنه "ما يحدث اليوم في قرى النقب والأطرش على وجه الخصوص، عشناه في النكبة، ولكن بقينا في قرانا وأرض الآباء والأجداد، واليوم في العام 74 للنكبة صامدون وباقون في الأرض على الرغم من هدم المنازل وتمدير المحاصيل الزراعية وحرث الأراضي ومصادرة المواشي.. سأعيش هنا وسأدفن في أرضي".
رفض وتحذير
وصية الآباء للأبناء التي حملها الثمانيني المتشبث بأرضه وكرامته، يتسمك بها علي الأطرش البالغ من العمر 58 عاما، والذي بقي مع زوجته وأطفاله الـ11 في مسقط رأسه، رافضا إغراءات التعويض المالي وقسيمة بناء في أي بلدة ثابتة بالنقب، وما زال يحمل الأوراق الثبوتية لملكيته 100 دونم من الأرض التي ورثها عن والده.
وأوضح الأطرش لـ"عرب 48" أن "إسرائيل تريد الأرض بلا بشر"، وشكك في "المزاعم والروايات الإسرائيلية بشأن التفاوض والاستعداد لتسوية بشأن الأراضي في القرى مسلوبة الاعتراف"، محذرا من "الوقوع في فخ التسوية، علما أن السكان يملكون مستندات طابو من العهد العثماني التي تثبت ملكيتهم للأرض".
وأكد أن "السلطات الإسرائيلية التي ترفض الاعتراف بالطابو العثماني وحتى ملفات التسوية لبعض الأراضي الصادر عنها في سبعينيات القرن الماضي، تريد في هذه المرحلة تهجير السكان من أراضيهم بقوة السلاح وإحلال المستوطنين، وهو المخطط الذي يرفضه سكان القرى مسلوبة الاعتراف، والذين لا يعلمون إلى أين ستتطور الأحداث، لكنهم على يقين ودراية بأنهم صامدون على أرضهم".
اعتراف وحرمان
أمام مشاهد التجريف واعتداءات قوات الشرطة على المواطنين العُزّل في الأطرش وسعوة والرويس، الذين يخوضون معركة دفاع وجودية بالتجذر بأراضيهم، نستذكر الاعتراف المشروط للحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت، بقرى عبدة وخشم زنة ورخمة، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.
ومع "الاعتراف الإسرائيلي" المشروط والمزعوم، تعود بنا أحداث قرية الأطرش إلى العام 2003، إذ حظيت باعتراف الحكومة الإسرائيلية، لكنها بقيت أشبه بمخيم لاجئين، حُرم سكانها من أبسط الخدمات الإنسانية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية.
ويعيش أهالي قرية الأطرش البالغ عددهم 7 آلاف نسمة فصولا من الهواجس خوفا من التهجير والتشريد، وذلك مثل سكان 35 قرية مسلوبة الاعتراف بالنقب، في محطات جديدة تعيد مجددا للواجهة الصراع مع المؤسسة الإسرائيلية على أكثر من 800 ألف دونم بملكية سكان هذه القرى البالغ عددهم 150 ألف نسمة من أصل 300 ألف عربي يقطنون النقب.
تمتاز قرية الأطرش بموقع إستراتيجي، تقع في النقب الشمالي، وعلى الحدود الجنوبية للضفة الغربية التي تعتبر منطقة للتواصل الجغرافي مع قطاع غزة، إذ يمر شارع 31 المؤدي إلى البحر الميت من وسط القرية التي يحاصرها مطار "نبطيم" العسكري.
يجعل موقع الأطرش التي تمتد مساحة أراضيها على عشرات آلاف الدونمات أكثر القرى مسلوبة الاعتراف إستراتيجية من حيث المكان، فهي تعد إحدى القرى ذات التواصل الجغرافي بين القرى والعشائر البدوية في النقب وبين مدينة بئر السبع وعراد.
حرب واحتلال
أمام هذا الواقع أبى الشاب جدعون الأطرش، وُلد في العام الذي حصلت قريته الأطرش على اعتراف من السلطات الإسرائيلية، إلا أن يكون في مقدمة الفتية والشبان الذين خاضوا على مدار 3 أيام معركة كر وفر مع عناصر الشرطة الإسرائيلية الذين وفروا الحماية والحراسة للجرافات وأعمال التجريف والتحريش للأراضي.
ووصف الأطرش لـ"عرب 48" ما تشهد منطقة الأطرش بـ"الحرب الوجودية على البدو في النقب"، قائلا إنهم "يريدون التفرد بكل قرية وبكل عشيرة، اليوم يدمرون أراضي الأطرش ولاحقا ستتكرر أعمال التجريف والتحريش في كل قرية إذا لم يتم التصدي للمخطط بوحدة جماهيرية وشعبية نقباوية".
وعلى الرغم من صغر سنه إلا أن الشاب بدا واعيا لمعركة صراع البقاء والوجود على الأرض في النقب، مؤكدا أن "الأطرش وسائر القرى عمرها أكبر من إسرائيل. نحن سكان البلاد الأصلانيين وأصحاب الحق والأرض، الدولة تريد احتلال أراضينا التي اقتحمتها بقوة السلاح والقنابل والاعتداء على المواطنين العُزّل الذين تواجدوا في أراضيهم دفاعا عنها من التجريف والتحريش".
ويرفض الأطرش أسوة بأهل قريته الإغراءات الإسرائيلية المزعومة بالتعويض المالي وقسائم للبناء في البلدات الثابتة، قائلا إن "عائلتي تملك بأوراق طابو عثمانية أرضا بمساحة 350 دونما، ولا يوجد لليهود حق ولو بحبة رمل هنا. نحن متجذرون وباقون في أرض الآباء والأجداد، وهذه أمانة سننقلها إلى أولادنا، البقاء والصمود ورفض أي مقترحات للتسوية".