الأزمة الإماراتية - السعودية.. لماذا؟ وإلى أين؟

profile
  • clock 17 يوليو 2021, 2:22:46 م
  • eye 946
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

أظهرت الأسابيع القليلة الماضية خلافات عميقة في العلاقة "السعودية – الإماراتية" والتي ظلت خلال السنوات القليلة الماضية تظهر كأنها أهم العلاقات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فالدولتان ظلتا متفقتين -أو هكذا كان يبدو الأمر- على معظم الملفات الخليجية والخارجية طوال فترة رئاسة "دونالد ترامب" الرئيس الأمريكي السابق.

خلال الأيام الماضية ظهرت عدة تحولات في العلاقة السعودية-الإماراتية، منها ما هو اقتصادي، وآخر سياسي، وبعضها متعلق بخلافات حول إدارة الملفات التي تطورت فيها البَلَدان خاصة الأزمة اليمنية. ويناقش هذا التقرير مجموع التحولات الحالية في علاقة البلدين.

 تراجع العلاقات السعودية-الإماراتية

هناك أسباب عديدة لتراجع العلاقات السعودية/الإماراتية، من بينها: "أزمة أوبك بلس، التنافس الاقتصادي، الشروط السعودية الجديدة للاستيراد، المنتجات الإسرائيلية، الخلافات في اليمن".

أزمة أوبك بلس: ثار الخلاف بين السعودية والإمارات علنا في يوليو الجاري خلال السعي للتوصل لاتفاق جديد كان من شأنه أن يرفع إنتاج النفط بداية من أغسطس المقبل. وفي العام الماضي اتفقت الدول على تخفيضات غير مسبوقة لإنتاج النفط بنحو 10 ملايين برميل يوميا، أو حوالي 10% من الإنتاج العالمي، بسبب تأثير جائحة كورونا على الطلب. واتفقت الدول على أن تعاود ضخ تلك الكميات تدريجياً حتى نهاية أبريل2022. لكن هذه المهلة تبدو قصيرة جداً في ضوء الوتيرة الحالية لزيادة الإنتاج؛ ما دفع إلى طرح تمديد الاتفاق الحالي حتى ديسمبر2022 وهو قرار ترفضه أبوظبي، وتتفق فيه السعودية وروسيا. وترغب الإمارات في مناقشة زيادة في سقف الإنتاج المحدد لها قبل الموافقة على التمديد إلى ما بعد أبريل المقبل

إن رفع حجم الإنتاج هو خلاف متجدد بين الرياض وأبوظبي، وتصر الإمارات على رفع خط الإنتاج الأساسي 600 ألف برميل يومياً إلى 3,8 ملايين برميل، بناء على أن النسبة الحالية (3.17 ملايين)، المحددة في أكتوبر 2018، لا تعكس طاقتها الإنتاجية الكاملة.

 وهو ما أشعل الغضب السعودي تجاه أبوظبي، التي اُتهمت بمحاولة تخريب السوق من أجل الحصول على المزيد من الأموال حتى لو تأثرت الدول المصدرة.

التنافس الاقتصادي: في فبراير قالت الحكومة السعودية إنها ستمتنع عن ترسية تعاقدات الدولة مع الشركات التي تقيم مراكز أعمالها بالشرق الأوسط في أي دولة أخرى بالمنطقة غير المملكة بدءاً من يناير 2024، وتسعى الرياض مبدأياً إلى جذب 500 شركة عالمية.

وشكلت كانت هذه الخطوة ضربة أخرى لدبي التي أقامت اقتصادها على انفتاحها للأعمال ونمط الحياة البراقة للوافدين من ذوي الدخول المرتفعة.

شروط الاستيراد واستبعاد المنتجات الإسرائيلية: مطلع شهر يوليو الجاري أعلنت السعودية استبعاد السلع التي تنتجها شركات في الخليج بعمالة تقل عن 25% من العمالة المحلية والمنتجات الصناعية التي تقل نسبة القيمة المضافة فيها عن 40% بعد عملية التصنيع من الاتفاق الجمركي لمجلس التعاون الخليجي. كما استبعدت السلع التي تستخدم مكونات إسرائيلية، من الامتيازات الجمركية التفضيلية. كما ذكر القرار أن البضائع المنتجة في المناطق الحرة بالمنطقة لن تعتبر محلية الصنع.

الخلافات في اليمن: تصاعدت الخلافات بين السعودية والإمارات جنوبي اليمن، حيث تدعم أبوظبي المليشيات الانفصالية، وتدعم الرياض الحكومة الشرعية، وهو ما يؤثر بشكل كبير على علاقات البلدين. إضافة لمخاوف السعودية وعمان من انهيار الأمن في اليمن وتلك المليشيات الانفصالية المنتشرة جنوبي اليمن على حدودهما.

 التقارب السعودي-العُماني

زار سلطان عمان طارق بن هيثم المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، في أول زيارة يقوم بها زعيم عماني منذ أكثر من عقد، في إشارة إلى تحالفات متغيرة في الخليج العربي، حيث تتواصل المملكة مع دول لها علاقات أوثق مع منافستها الإقليمية إيران، في وقت تتصاعد الأزمات مع حليفتها الإمارات.

وعلى طريقة التحالف مع الإمارات، تم الإعلان عن مجلس تنسيق "عُماني/سعودي" لتنسيق الجهود السياسية والاقتصادية بين البلدين. كانت هذه المجالس حكراً داخل الخليج بين أبوظبي والرياض، حتى أن بعض الباحثين قفز للقول إنه ربما تكون هذه المجالس بديلاً عن مجلس التعاون الخليجي، زاد ذلك خلال الأزمة الخليجية التي جرت فيها مقاطعة قطر بين (2017-2021).

تملك الإمارات علاقات سيئة مع سلطنة عمان؛ فخلال الأعوام العشرة الأخيرة تم محاكمة عدة خلايا تجسس إماراتية في مسقط، واحدة منها كانت تستهدف السلطات الراحل "قابوس". كما تملك الدولتان خلافات حدودية في وقت يتزايد الغضب العُماني من النفوذ الإماراتي المتصاعد في اليمن- وبدرجة أقل النفوذ السعودي- خشية أن تستخدمه أبوظبي للمقايضة بالمشاكل الحدودية.

كان واحداً من أسباب التقارب الكبير بين السعودية والإمارات هي الإدارة الأمريكية السابقة التي كان يقودها دونالد ترامب الذي ارتبط وبعض المسؤولين في البيت الأبيض خلال إدارته بعلاقة جيدة مع المسؤولين في أبوظبي، استخدمها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للثبات في منصبه كولي للعهد.

ولكن في الوقت الحالي "إدارة جو بايدن" غاضبة من السعودية ومحمد بن سلمان المتهم باغتيال الصحافي البارز جمال خاشقجي، وسلطنة عُمان تبدو أقرب الطرق إلى السياسة الأمريكية، حيث اعتمدت واشنطن على مسقط كمسيّر للاتفاق النووي الإيراني عام (2015)، وحالياً كمسيّر للمفاوضات المتعلقة في اليمن، لذلك فالرياض تحتاج القُرب العُماني من واشنطن من أجل ولي العهد.

وقال أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة أوراسيا لاستشارات المخاطر السياسية إن "محمد بن سلمان مهتم أكثر ببناء علاقة متعددة الأوجه تتمحور حول دول مجلس التعاون الخليجي والتي لا تعتمد فقط على حليف واحد، والتي كانت الإمارات في السابق، ولكنها تبني على شبكة أوسع بكثير من التحالفات".

* تأثير الخلافات على الإمارات (دبي تحديداً)

في تقرير صدر نهاية يناير الماضي عن السجل الاقتصادي الوطني؛ بلغ عدد الشركات الأجنبية العاملة في الإمارات 3899 شركة، بينها 812 فرعاً لشركات خليجية. وتحتضن دبي بمفردها أكثر من 50 بالمئة من إجمالي الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، أعلنت العشرات منها خلال الأشهر الماضية عزمها نقل مقرها الإقليمي إلى الرياض.

وحول إقرار شروط الاستيراد؛ نقلت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية عن مسؤول تنفيذي في شركة عائلية مقرها دبي أن أقل من 1 في المائة من العاملين في أعماله الصناعية هم من الإماراتيين، لذلك من المستحيل الامتثال لشروط الرياض، إذ لا يوجد مصنع لديه هذا المستوى من القوى العاملة المحلية.

وقال إن السوق السعودية شكلت نحو 40 في المائة من المبيعات في إحدى وحدات التصنيع في مجموعته خلال العام الماضي. وقال إنه في منافسة مع الشركات المصنعة السعودية، التي تستفيد من انخفاض تكاليف الشحن، وقال إن هوامش ربح الوحدة المصنعة في مجموعته أقل من 10 بالمائة.

وقال مستشار لإحدى شركات تصنيع المواد الغذائية التي تعتمد على المملكة في 75 في المائة من أعمالها: "هذه الشروط الجمركية كارثة، فقد تسببت في حالة من الفوضى والذعر."

 وقد أعلنت المملكة تغييرات القواعد الأخيرة رغم كون الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للسعودية بعد الصين من حيث قيمة الواردات، وذلك بناء على البيانات التجارية السعودية.

من جهته قال أمير خان، المحلل الاقتصادي بالبنك الأهلي السعودي: "كانت الفكرة في وقت من الأوقات إقامة سوق لمجلس التعاون الخليجي، لكن يوجد إدراك الآن لكون أولويات السعودية والإمارات في غاية الاختلاف"، مضيفا أن القواعد السعودية تمثل تجسيدا لهذه التباينات السياسية.

وقال محمد السويد الرئيس التنفيذي لشركة رزين كابيتال للاستشارات الاستثمارية ومقرها الرياض: "لا يمكن للإمارات أن تستفيد من مثل هذه السوق، لا مزيد من الربح على حساب الأعضاء الآخرين."

وكان إغراء المستثمرين الأجانب في 30 منطقة حرة في دبي هو الوصول إلى الأسواق المجاورة الكبيرة مثل المملكة العربية السعودية، لكن تقليص الاستيراد منها، ومصارعة المنافسة المحلية -حيث تنوع المملكة اقتصادها بالاقتصاد الصناعي- يؤثر على الاستثمار في دبي، ويدفعهم للبحث عن أسواق أخرى.

* إلى أين تتجه الأزمة؟

يبدو أن الأزمة المشتعلة بين البلدين الخليجيين لن تنتهي على المدى القريب، وفي حال إذا ما تم تهدئتها حالياً؛ فإنها ستظل على وضعية "البركان النشط" الذي قد ينفجر في أي لحظة، فيما لا يُعلم إلى أين -وكم- ستمتد أضراره.

وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة للعلاقات بين البلدين؛ الأول: التهدئة، الثاني: تصاعد الخلافات، والثالث: حلّ الأزمة.

تصاعد الخلافات: وهو سيناريو مبكر توقعه في ظل العلاقة المعقدة بين أبوظبي والرياض، لكن من الممكن حدوثه إذا ما أصرت أبوظبي على خيارها بشأن أوبك+، وهو ما يعني المزيد من الإجراءات من قِبل الرياض التي ستشمل الكثير من المجالات الاقتصادية المؤثرة على الإمارات كسوق عالمي، وعلى دبي بشكل خاص، فمعظم الدول تستفيد من الوجود في الإمارات في كونها معبراً للأسواق في المنطقة، وبدون هذه الميّزة فإن سمعة دبي كمركز تجاري عالمي ستخبو مع الوقت.

ومهما وصلت الخلافات إلى مستوى أعلى فإن ذلك لن يصل إلى مرحلة القطيعة بين الإمارات والسعودية، على الرغم من عدم استقرار السياسة السعودية منذ 2015م. وقد تذهب السعودية بعيداً باتجاه تعزيز العلاقات مع تركيا (بصفتها مركزاً تجارياً عالمياً) و"قطر".

حل جذور الخلافات: هو سيناريو بعيد المنال، فمن الصعب إيجاد حلول لعلاقة متأزمة مرتبطة بطموحات البلدين وبما يعتبرونه حقاً سيادياً، لكن يمكن إيجاد حلول مؤقتة.

وحتى لو تم التوصل لاتفاق بشأن الحلول الاقتصادية فإن الحلول المتعلقة بالسياسة الخارجية للبلدين واختلاف أهدافها يجعل من الصعب إيجاد اتفاق يمكنه ردمها أو تأجيل تأججها على المستويين القريب والمتوسط.

التهدئة: يعتبر السيناريو المحتمل؛ حيث من الممكن أن تتدخل دول حليفة للطرفين مثل الولايات المتحدة، للتوصل إلى تهدئة بين الرياض وأبوظبي، والتوصل إلى اتفاق بشأن حلّ أزمة أوبك لأن الخطر لا يعني الدولتين فقط؛ بل أسواق النفط العالمية. وإذا ما قررت الإمارات التراجع عن شروطها في أوبك+ فإن ذلك سيكون باستثناءات سعودية تخص الإمارات بشأن بعض شروط الاستيراد السعودية الجديدة، على الرغم من أن المملكة تبدو متمسكة بتلك القرارات كخيارات حاسمة في رؤية 2030م.

لكن ذلك سيكون تأجيلاً للخلافات لفترة قادمة وسرعان ما ستتجدد الخلافات الاقتصادية، متبوعة بالخلافات السياسية والعسكرية في اليمن والقرن الأفريقي.

إنَّ تصاعد الخلافات بين الإمارات والسعودية لا ينعكس على البلدين فقط؛ بل على المنطقة واقتصاد النفط حول العالم، لذلك ستوجد اتفاقات بين الدولتين للخروج من هذه الأزمة فيما يخص الاقتصاد. ولن توجد حلول سريعة وموثقة تنهي خلافات الدولتين في أهداف السياسة الخارجية. وسواء وجدت الحلول وتمكن قادة البلدين من الوصول إلى تهدئة لمخاوفهم المتبادلة إلا أن علاقة البلدين لن تبقى دون توتر مستمر يدفع لصعود الخلافات مجدداً إلى السطح.

تقرير: الإمارات 71



التعليقات (0)