- ℃ 11 تركيا
- 5 نوفمبر 2024
إسرائيل وغزة... وفصل الفلسطينيين ما بين السماء والأرض
إسرائيل وغزة... وفصل الفلسطينيين ما بين السماء والأرض
- 13 مايو 2023, 8:44:24 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
شنّ الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2019، ثلاث حملات عدوانية ضد حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة المحاصَر، واغتال قيادات عسكرية في الحركة. ففي عام 2019، اغتال القيادي العسكري في الحركة، بهاء أبو العطا؛ وفي العام الماضي (2022) اغتال القياديين العسكريين في الحركة، تيسير الجعبري وخالد منصور؛ ومنذ يوم الثلاثاء الماضي، اغتال ستة من قادة الحركة العسكريين، ولكن إطلاق القذائف الصاروخية لا يزال مستمرا، بل وتجاوز عددها 900 قذيفة صاروخية، خلال الأيام الأخيرة.
ومنذ اليوم الأول للعدوان الأخير، اعتبرت إسرائيل أنها حققت أهدافه باغتيال القادة العسكريين الثلاثة في "سرايا القدس"؛ وكتب أحد المحللين العسكريين الإسرائيليين، أن هدف العدوان، هو الردع والانتقام. لكن بعد أربعة أيام من العدوان، يبدو جليًّا أن الردع لم يتحقَّق، إذ تواصل إطلاق القذائف الصاروخية ليصل تل أبيب ومنطقة القدس. أما الانتقام، فقد عُبِّر عنه بمشاهد الدماء والدمار، وقتل المدنيين الآمنين في بيوتهم في ساعات الليل المتأخرة.
وزعم الاحتلال أن العدوان الأخير، هو ردّ على إطلاق عدد كبير من القذائف في أعقاب استشهاد الأسير خضر عدنان، الذي واجه القتل البطيء بعد اعتقاله إداريًّا، وإضرابه عن الطعام.
وتحاول إسرائيل تثبيت معادلة تتجاوز الهدوء مقابل الهدوء، أو النار مقابل النار، لتصبح النار مقابل الاغتيال، أي تنفيذ اغتيالات لقادة عسكريين ردًا على إطلاق قذائف من القطاع، وعدم اعتبار ذلك خرقًا لوقف إطلاق النار.
في المقابل، رسّخت فصائل المقاومة في غزة معادلتين في العامين الأخيرين؛
الأولى، أن صواريخ المقاومة لا تنحصر في القطاع، بل أنها تمتد إلى الضفة الغربية والقدس، وتُستخدم في الردّ على اعتداءات الاحتلال في القدس والأقصى، والضفة، وعلى الأسرى. وقد حصل ذلك بشكل واضح، منذ أيار/ مايو 2021، عندما أُطلق صاروخ تجاه القدس، ردًا على الاعتداءات الإسرائيلية في الأقصى والشيخ جراح، وتنظيم "مسيرة الأعلام" في ما يُسمَّى "يوم القدس"، وامتدّت المواجهة إلى غزة والضفة وأراضي 48. بالإضافة إلى ما حصل مؤخرًا، بعد استشهاد الأسير خضر عدنان. وكذلك في رمضان الأخير، فقد امتدّ إطلاق القذائف إلى جنوبي لبنان، وقد حصل ذلك أيضًا في أيار/ مايو 2021.
والثانية، أن أيّ اغتيال في غزة، سيعقبه ردّ لعدة أيام، وليس بالضرورة بشكل فوري، بل بعد يوم أو يومين، وتعطيل حياة مئات آلاف الإسرائيليين من أطراف غزة جنوبًا، حتى تل أبيب شمالا. ولذلك سعت إسرائيل إلى "إنهاء الجولة" في أقرب فرصة، خصوصًا أن الأهداف العسكرية المتمثّلة باغتيال القادة العسكريين الثلاثة، تحققت في الساعات الأولى من العدوان.
مثلما تريد إسرائيل الاستفراد في الجهاد الإسلامي، وتحييد حركة حماس عن المواجهة، فإنها كذلك تريد تحييد صواريخ غزة عن المواجهة اليومية في الضفة الغربية، بعدما أطلقت منذ عام ونصف العام عملية سمّتها "كاسر الأمواج"، وكذلك تحييد صواريخ غزة عن القدس والأسرى.
لذا، تشنّ إسرائيل عدوانها على غزة من السماء، فيما تشنّ، عدوانها اليومي في الضفة والقدس على الأرض، وكأنها تريد فصل السماء عن الأرض، وهذا ليس بالمستطاع بالنسبة للبشر، ولا التكنولوجيا المتقدّمة جدًا التي تملكها إسرائيل.
على الأرجح، سينتهي العدوان بتفاهمات جديدة لوقف إطلاق النار مثل المرات السابقة، وسيثبت لإسرائيل أن الاغتيالات التي تنفذها، لم تردع الفصائل في غزة، ولم تؤثر في أدائها العسكري، ولم تعطل الاستعدادات والتجهيزات للجولة المقبلة من العدوان على القطاع.
أخيرًا؛ لا يمكن عزل العدوان على غزة عن اعتبارات بنيامين نتنياهو السياسية، رغم أن شكل العدوان وأهدافه تحدده المؤسسة الأمنية، لكن توقيته يحدده المستوى السياسي، وهي "حرب اختيارية"، فمصالح نتنياهو السياسية كثيرة هذه الأيام، وأوّلها تدهور شعبيته في استطلاعات الرأي، والمزايدات عليه في ائتلافه الحكومي، والاحتجاجات غير المسبوقة على خطته لإضعاف القضاء. لكن استمرار المواجهة لعدة أيام، قد يؤدي إلى فقدان الاحتلال سيطرته على التطورات، وهذا ما يبدو أنه حصل اليوم الجمعة، مع وصول صواريخ الجهاد إلى منطقة القدس، ما جعل مباهاة إسرائيل بصور الاغتيالات، أقلّ تأثيرًا في إخراج الصورة النهائية للمعركة.