- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
إبراهيم نوار يكتب: الشرق الأوسط تحت الشمس مع الوقود التقليدي أو الطاقة المتجددة
إبراهيم نوار يكتب: الشرق الأوسط تحت الشمس مع الوقود التقليدي أو الطاقة المتجددة
- 13 نوفمبر 2022, 5:11:58 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
على التوازي مع حاجة العالم إلى نظام دولي جديد، فإنه يحتاج أيضا للانتقال من عصر الوقود التقليدي الملوث للبيئة إلى عصر الطاقة المتجددة الصديقة للبيئة. في الحالتين تتمتع منطقة الشرق الأوسط بمزايا فريدة، تجعلها لا تفقد أهميتها. ونظرا لأن المنطقة، خصوصا حول الخليج، هي أغنى مناطق العالم بالبترول والغاز، وما تزال بها طاقات كبيرة قابلة للاستغلال، فإن الشركات الدولية والوطنية العاملة في صناعة الطاقة التقليدية، لعبت دورا مهما في مؤتمر شركاء المناخ في غلاسكو COP26 العام الماضي، من أجل كبح جماح الدعوة إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز خلال العقدين القادمين. كما قاومت الصين وأستراليا والهند وجنوب أفريقيا المصدرة للفحم، فكرة الاسراع بإغلاق محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم، كما اتجهت في الوقت نفسه للتوسع في استخدام الفحم محليا.
حرب أوكرانيا وزيادة إنتاج الطاقة المتجددة
التوتر الجيوستراتيجي في العالم منذ شباط/فبراير الماضي، حتى انعقاد قمة المناخ العالمية COP27 في شرم الشيخ بمصر، أعاد الأهداف التي تم تحديدها في غلاسكو إلى الوراء؛ فأخذت الحياة تدب في محطات الكهرباء العاملة بالفحم، وزاد الإنتاج، كما زادت استثمارات التنقيب عن البترول والغاز، حتى في بعض الدول الصناعية الكبرى مثل بريطانيا. ومع ذلك فقد كان هناك حرص على استمرار العمل من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لقمة المناخ، ألا وهو تحقيق «الحياد الكربوني» عن طريق تطوير تكنولوجيا صناعات الطاقة التقليدية، لتصبح أكثر توافقا مع البيئة وأقل تلويثا لها، من خلال تقليل الانبعاثات من حرق النفط والغاز والفحم إلى الصفر، للمحافظة على درجة الحرارة على كوكب الأرض في حدود 1.5 درجة مئوية، فوق متوسطها عند بداية الثورة الصناعية الأولى. وطبقا لاتفاقية باريس يجب تخفيض انبعاثات الغازات السامة بنسبة 45 في المئة حتى عام 2030 على أن تصل النسبة إلى الصفر في منتصف القرن الحالي.
ولكن بعض الدول أعلنت إنها لن تستطيع الالتزام بذلك الموعد، مثل الصين التي قالت إنها لن تحققه حتى عام 2060 والهند التي حددت عام 2070 لتحقيق «الحياد الكربوني». هذا من شأنه أن يؤدي إلى تأخر العالم كله، حيث أن كلا من الهند والصين مسؤولة عن نسبة كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان وغيرهما من الغازات المسؤولة عن تدهور حالة المناخ في العالم. ومن الملاحظ أن الصين لا تدخر وسعا للتقدم على طريق الطاقة المتجددة، حيث أنها من الدول الرائدة عالميا في صناعة الطاقة الشمسية وصناعة توربينات طاقة الرياح. ويبلغ نصيب الطاقة المتجددة من الاستهلاك المحلي حوالي 15 في المئة مقابل حوالي 20 في المئة في الولايات المتحدة. وتستهدف الأخيرة أن تصل النسبة إلى 24 في المئة في العام المقبل.
قدرات الطاقة المتجددة في الدول العربية
برهنت الدول العربية على أن مصالحها في استمرار استخدام الوقود التقليدي، الذي أثبتت الاضطرابات في الإمدادات ضرورته في الوقت الحاضر، لا تتعارض مع مصلحة العالم في إنتاج الطاقة النظيفة الصديقة للبيئة، خصوصا وأنها تملك مقومات تطوير الطاقة المتجددة، بما تتمتع به من معدلات عالية لسطوع الشمس، وقوة الرياح، واتساع شواطئ الكثير منها على البحار والمحيطات المفتوحة مثل المغرب وسلطنة عمان ومصر والسعودية. ولذلك فإنها تميل جميعا لتشجيع صناعة الطاقة المتجددة، والتحول إلى الوقود النظيف، خصوصا من خلال مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإنتاج الهيدروجين.
ومنذ نهاية مؤتمر المناخ السابق حتى الآن، ظهرت مؤشرات كثيرة تؤكد أن المنطقة تتحول تدريجيا، من الطاقة التقليدية إلى صناعة الطاقة المتجددة. ومن المتوقع في العقد المقبل ان يصبح الهيدروجين والطاقة الشمسية وطاقة الرياح من أهم محركات التنمية وزيادة الثروة، خصوصا في مصر والمغرب والسعودية وموريتانيا وسلطنة عمان، التي بدأت جميعها فعلا تخطو على طريق إقامة صناعات طاقة متجددة. وقد شهد مؤتمر قمة المناخ في شرم الشيخ التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، كانت دول عربية طرفا فيها، تتضمن السعي لاقامة مشروعات ضخمة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين في مصر، في إطار شراكات مع دول عربية وغير عربية.
ورغم وفرة مصادر الطاقة المتجددة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فإنها ما تزال حتى الآن تعتمد على مصادر الطاقة التقليدية بنسبة وصلت إلى 90 في المئة من احتياجاتها في العام الماضي. ويعتبر الغاز الطبيعي، وليس الفحم أو النفط، هو المصدر الأساسي للوقود في محطات إنتاج الكهرباء. وبعد أن أدت الحرب الأوكرانية إلى زيادة أهمية إنتاج الغاز الطبيعي في المنطقة، فإن هذا سيكون حافزا على تكثيف جهود استثمار مصادر الطاقة المتجددة، لإتاحة قدر أكبر من الغاز للتصدير إلى أوروبا وبقية أنحاء العالم. ومن المتوقع أن يستمر إنتاج الغاز في الزيادة خلال العقد المقبل على الأقل، قبل أن ينحسر استخدام النفط والغاز ضمن المصادر الرئيسية لإنتاج الطاقة في العالم. وعلى العكس من زيادة أهمية الغاز في توليد الكهرباء، فإن أهمية النفط ستتراجع، حيث سينخفض عدد محطات الكهرباء العاملة بالنفط.
انخفاض تكلفة الطاقة الجديدة
يقدر خبراء الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا» أن دولة عربية واحدة هي المغرب ستكون في المركز الثالث ضمن قائمة تضم 5 دول على رأسها الصين، هي الأقل تكلفة في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، طبقا للتكنولوجيا المستخدمة حاليا في الإنتاج. وتبلغ التكلفة حوالي 65 سنتا للكيلوغرام من الهيدروجين، وذلك طبقا للسيناريو المتفائل، بحلول عام 2050. وينتج الكيلوغرام من الهيدروجين 33.3 كيلووات/ساعة من الكهرباء. وحتى بافتراض السيناريوهات الأقل تفاؤلا فإن أقصى تكلفة لإنتاج الكيلوغرام من الهيدروجين تصل إلى 1.1 دولار في الصين، أي ما يعادل حوالي 3 سنتات للكيلووات/ساعة من الكهرباء، وهي أدنى من تكلفة البترول أو الغاز أو حتى الفحم، كما أنها ليست عرضة للتقلبات.
وفي السيناريو المتفائل تجيء السعودية في المركز العاشر على مستوى العالم في تكلفة إنتاج الهيدروجين، حيث تتراوح التكلفة بين 75 إلى 80 سنتا للكيلوغرام الواحد، وهو ما يعادل تكلفة الإنتاج في الولايات المتحدة، طبقا للسيناريو نفسه. المشكلة بالنسبة للسعودية تتمثل في ندرة موارد المياه، ولذلك فإن إنتاج الهيدروجين يتحمل في حالة السعودية تكلفة إضافية لتحلية المياه. ويقدر خبراء الوكالة أن تكلفة التحلية تضيف نسبة تبلغ حوالي 4 في المئة إلى التكلفة الكلية للإنتاج. ويقدر خبراء الوكالة تكلفة الهيدروجين في مصر بحوالي دولار واحد للكيلو جرام من الهيدروجين الأخضر، وهو ما يعادل متوسط التكلفة في دول شمال أفريقيا باستثناء المغرب.
وتقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا» أن تطوير تكنولوجيا الإنتاج، ورفع مستوى كفاءة تصنيع المعدات والأجهزة ونظم التشغيل، يؤدي إلى تخفيض تكلفة إنتاج الكيلووات من الكهرباء عاما بعد آخر. وطبقا لتقرير أخير أصدرته في تموز/يوليو الماضي، فإن تكلفة إنتاج الكهرباء من محطات توربينات الرياح والطاقة الشمسية انخفضت في العام الماضي، وذلك على الرغم من ارتفاع أسعار المكونات. وبلغت نسبة الانخفاض حوالي 15 في المئة في المتوسط عن عام 2020 إلى 33 سنتا للكيلووات/ساعة بالنسبة لمحطات توربينات الرياح، وبنسبة 13 في المئة بالنسبة لمحطات الطاقة الشمسية إلى 48 سنتا. وبمقارنة تطور تكلفة الإنتاج في العقد الأخير، فقد استنتج التقرير أن تكلفة إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة انخفضت خلال الفترة من 2010 إلى 2021 بنسبة 88 في المئة.
وتظهر بيانات إنتاج واستهلاك الطاقة المتجددة على مستوى العالم، أن المشاريع الجديدة التي دخلت فعلا حيز الإنتاج في عام 2021 قد أضافت للإنتاج العالمي حوالي 315 غيغاوات، بنسبة زيادة تبلغ 17 في المئة عن عام 2020. وتستحوذ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح على 90 في المئة من الطاقة المتجددة حول العالم. وسجل العام الماضي للمرة الأولى في التاريخ ارتفاع نصيب طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى أكثر من 10 في المئة من مصادر توليد الكهرباء على مستوى العالم. كما أن الاستثمارات العالمية في قطاعات إنتاج الطاقة المتجددة ارتفعت في العام الماضي للعام الرابع على التوالي لتصل إلى 366 مليار دولار طبقا لإحصاءات التقرير العالمي للطاقة المتجددة.
وتستحوذ الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وفيتنام واليابان على النسبة الأكبر من إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة. وقد احتلت الصين في العام الماضي المركز الأول عالميا من حيث زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، إذ أضافت وحدها ما يعادل 43 في المئة من الزيادة في القدرات الإنتاجية للطاقة المتجددة، وأصبحت أكبر دولة في العالم من حيث قدرتها على إنتاج الطاقة المتجددة.
وطبقا لتقرير أصدرته مجموعة «إمبر» الدولية لأبحاث الطاقة المتجددة، فإن النصف الأول من العام الحالي سجل زيادة كبيرة في الطلب على الكهرباء بحوالي 389 تيراوات/ساعة بزيادة 3 في المئة مقارنة بالنصف الأخير من العام الماضي. وقد ترافق هذا الارتفاع في الطلب على الكهرباء مع الحرب الأوكرانية وأزمة إمدادات الطاقة العالمية. ورغم اضطراب سلاسل الإمدادات العالمية في صناعات الطاقة المتجددة، فإن كمية الإنتاج (العرض) خلال الفترة نفسها، زادت بحوالي 416 تيراوات/ساعة، وهو ما يعني انها وفرت ما يقرب من 107 في المئة من الزيادة في الطلب العالمي. وقد بلغ نصيب الكهرباء المولدة بواسطة طاقة الرياح والطاقة الشمسية حوالي 77 في المئة من الزيادة في الطلب، في حين كانت النسبة المتبقية من نصيب قطاع الطاقة الكهرومائية. هذا التطور السريع في صناعة الطاقة المتجددة، ووفرة مصادرها في الدول العربية، بما فيها الغنية بالنفط والغاز، يمنح تلك الدول فرصة تاريخية في أن تحتل مكانا في صدارة منتجي الطاقة المتجددة في العالم، كما هي الآن في صدارة منتجي الوقود التقليدي، ويزيل أي تناقض بينها وبين تحقيق هدف الحياد الكربوني.