أحمد رفعت جديد في مصر: القصة الكاملة لقتل إسماعيل حلمي على يد عضو بـ"مستقبل وطن"

profile
عبدالرحمن كمال كاتب صحفي
  • clock 14 سبتمبر 2024, 11:28:52 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
ضحايا القهر في مصر: إسماعيل حلمي وإيهاب جلال وأحمد رفعت

>> أحدث ضحايا القهر بمصر: المعلم والشاعر إسماعيل حلمي مدير التعليم الثانوي بديرمواس محافظة المنيا

>> مدير الإدارة التعليمية تعمد إهانته وطرده من أحد الاجتماعات.. وأجهز عليه بقرار من سطرين

>> رحلة مدير الإدارة من الحزب الوطني إلى حزب الوسط ثم "مستقبل وطن".. السعي الدائم نحو المنصب والسلطة

>> غضب وغليان بين العاملين في التعليم بديرمواس.. ووقفة احتجاجية أمام مقر نقابة المعلمين لإقالة مدير الإدارة

 

“انزعوا دم الحسين من سيف يزيد إنه يترنح”.. كانت هذه الجملة الكاشفة آخر ما كتب إسماعيل حلمي، المدرس والشاعر ومدير التعليم الإعدادي والثانوي بإدارة ديرمواس التعليمية بمحافظة المنيا في صعيد مصر.

كتب إسماعيل حلمي هذه الجملة يوم الأربعاء 11 سبتمبر، في الساعة العاشرة و53 دقيقة ليلا.

وظهر اليوم التالي، الخميس 12 سبتمبر، كانت الصدمة: "الأستاذ إسماعيل حلمي في ذمة الله" حسبما أعلنت أسرته على حسابه بموقع فيسبوك!

 

لم يفق أبناء وتلاميذ ومحبو وأصدقاء الراحل من الصدمة طوال ذلك اليوم، وكان كل همهم تقديم التعازي والتوافد على قريته الصغيرة لتقديم واجب العزاء في الفقيد، لكن مع اليوم التالي، ومع زوال الصدمة شيئا فشيئا، بدأت الحقيقة تتكشف، والأمور تتضح.

لقد مات إسماعيل حلمي كمدا على طريقة لاعب منتخب مصر الراحل أحمد رفعت، وعلى طريقة مدرب منتخب مصر الراحل إيهاب جلال الذي وافته المنية قهرا هو الآخر قبل إسماعيل حلمي بـ24 ساعة فقط.

من هو إسماعيل حلمي؟

وقبل الخوض في تفاصيل المأساة، فمن المهم أن نلقي الضوء قليلا على الراحل، خاصة أنه ليس بشهرة ضحايا القهر الراحلين أحمد رفعت وإيهاب جلال.

إسماعيل حلمي، مواليد 24 يناير 1967، درس وتخرج في جامعة المنيا، وعمل مدرسا في العديد من مدارس المحافظة، وتتلمذ على يديه آلاف الطلاب على مدار رحلته كمعلم لغة عربية.

 

عرف عن الراحل دماثة الخلق وحبه لمساعدة الآخرين، وسعيه الدائم لحل أي مشكلة تواجه أي تلميذ أو صديق أو كل من يقصده للمساعدة، ويكفي مطالعة حسابه على فيسبوك لنعرف حجم المودة والمحبة التي يكنها الجميع للراحل، ولنطلع على مواقف كثيرة تفصح عن نبل وشهامة الفقيد ضحية القهر.

 

كان إسماعيل حلمي عاشقا للغة العربية وليس مجرد معلما فقط، ومن هنا، نبغ في آدابها، وسطع ككاتب وأديب وشاعر، وسبق له نشر الكثير من دواوين الشعر بوزارة الثقافة المصرية.كما إنه كان رئيسا لنادي الأدب بقصر ثقافة ديرمواس.

 

إننا أمام نموذج مثالي لمعلم ومربي أجيال جمع بين العلم والأدب والثقافة.. وهو ما باتت تفتقده الإدارة في مصر في كافة المجالات وليس في التعليم فقط.

 

لكن جزاء إسماعيل حلمي لم يكن الإحسان، تماما كما كان تعامله مع الآخرين يحكمه الإحسان!

تفاصيل المأساة

كما ذكرنا، مع انقشاع الصدمة بدأت تتكشف وقائع الأمور: "لقد مات إسماعيل مقهورا".. كانت تلك الجملة هي أكثر ما تردد على ألسنة محبي وتلاميذ وأصدقاء المعلم الراحل.

وسرعان ما كشف التلاميذ والأصدقاء والزملاء تفاصيل المأساة، واتجهت كل أصابع الاتهام إلى شخص واحد فقط: مدير الإدارة التعليمية في ديراموس، حسام عبدالعزيز عمر.

أكثر من رواية ظهرت حول تفاصيل ما حدث، أجمعت في مجملها على أن الحقد كان وراء اضطهاد إسماعيل حلمي.

ووفقا لهذه الروايات، فيمكن تلخيص ما حدث للمعلم الراحل في أنه فى اجتماع لمديري المدارس الإعدادية والثانوية التابعين لإدارة ديرمواس التعليمية، حالت الظروف دون حضور أحد المديرين، فأرسل وكيل المدرسة لينوب عنه.

حضر الوكيل إلى الاجتماع، غير أن أوراقه الخاصة بكثافة الفصول والعجز والزيادة والاستعدادات للعام الجديد لم تكن مكتملة، فما كان من مدير الإدارة التعليمية المعروف بعصبيته الشديدة ونرجسيته، إلا أن قام بتعنيف هذا الوكيل بشكل غير لائق (ولمن لا يعرف، وكيل المدرس في الغالب يكون سنه من سن مدير الإدارة، وأحيانا أكبر).

ولما علم مدير المدرسة الغائب، طالب مدير الإدارة -عبر وسيط مشهود له بالاحترام- أن يمهله يوما واحدا لتجهيز الأوراق المطلوبة، إلا أن نرجسية وغرور "ومنصب" مدير الإدارة وعلاقاته التي يتفاخر بها، جعلته يشطح ويهاجم الجميع، ويهدد أنه لا يأخذ تعليماته من لواء أو من مستشار، ولا يهمه عمدة أو شيخ بلد، وأخذته العزة بالمنصب وراح يكيل التوبيخات ويوزعها على الجميع.

ربما يظن البعض أن مدير الإدارة صادقا في أنه لا يأخذ تعليماته من لواء أو مستشار، ولو كان صادقا لكان نعم الرجل هو، لكن الحقيقة التي سنكشفها لاحقا من تتبع مسيرة الرجل، ستظهر أنه ما قال ذلك إلا من باب الغطرسة و"العين الحمراء" التي يتعامل بها مع الجميع، رغم أنه لا يتعامل إلا مع معلمين ومعلمات.

توترت الأجواء مع غطرسة مدير الإدارة، وهنا تدخل الراحل إسماعيل حلمي للتهدئة، إلا أن مدير الإدارة الذي عمل يوما ما تحت إدارة إسماعيل حلمي نفسه، وجدها فرصة ليعوض نقصا كامنا بداخله.

ثار مدير الإدارة وهاج على الراحل إسماعيل حلمي، وبحسب شهود عيان حضروا الاجتماع، قال له: "انت تخرس خالص اللى مش شايف شغلك وشغال أراجوز الإدارة قوم اطلع بره".

نعم، طرد مدير الإدارة الراحل إسماعيل حلمي من الاجتماع مستخدما تلك الأاظ السوقية التي لا تخرج من رجل تربية وتعليم، ناهيك عن منصبه كمدير لإدارة مسؤولة عن آلاف المعلمين والمعلمات والتلاميذ والطلاب.

طرده وأهانه في حضور الزملاء الذين كانوا إما أصدقاء للراحل أو تلاميذه في بعض المراحل، تماما كما كان مدير الإدارة يعمل تحت إدارة إسماعيل حلمي سابقا.

بهدوء وتروٍ، ابتلع الراحل إسماعيل حلمي ما حدث، ورغم الإحراج والإهانة، إلا أنه لم يرد تصعيد الأمور، وآثر تمرير الموقف برمته، وظن أن ابتسامة منه لزميله ومرؤوسه السابق قد تهدي الأجواء، إلا أنه لم يكن يعلم أن الكامن في نفس المرؤوس السابق كان أقبح من أن تخففه ابتسامة، وما لبث أن وجد الفرصة ليخرج عندما تحول من مرؤوس إلى رئيس، وأصر على طرد إسماعيل حلمي من الاجتماع أمام كل هذا الجمع من المديرين!

 

رحلة مضايقات تنتهي بالقهر

لم يكن ما حدث في الاجتماع إلا شرارة أيقظت حقدا دفينا في صدر مدير الإدارة، وكأنه كان ينتظر الفرصة لينقض على رئيسه السابق.

لم يفوت مدير الإدارة التعليمية بعد ذلك فرصة أو مناسبة إلا وتعمد خلالها الحط من قدر إسماعيل حلمي، ولجأ إلى الطريقة المعروفة في البيروقراطية المصرية التليدة، واستخدام سلطته في التنكيل بكل من لا يعجبه، أو من يشعر أنه قد يكون مصدر تهديد مستقبلي له، أو يذكره بأيامه وزمانه الأغبر.

في الاجتماع المذكور آنفا، منع مدير الإدارة الراحل إسماعيل حلمي من حضور الاجتماع، لكنه لاحقا أصدر تنبيها، في 9 سبتمبر الجاري، بضرورة أن يحضر إسماعيل حلمي الاجتماعات مرة أخرى، وهو تصرف قال عنه كل من تعامل مع مدير الإدارة إنه ذريعة للاحتكاك بإسماعيل حلمي وطرده وإهانته من جديد.

 

لكن مدير الإدارة لم يمهل إسماعيل حلمي أكثر من 48 ساعة ليتخذ قراره سواء بحضور الاجتماعات من عدمه، ليباغته بالقرار الذي أجهز على حياته وتسبب في موته كدما وقهرا.

بعد يومين من تنبيه حضور الاجتماعات، أصدر مدير الإدارة نشرة تقضي بإلغاء تكليف إسماعيل حلمى كمدير مرحلة (شغل إيماعيل مهام مدير التعليم الإعدادي والثانوي منذ أغسطس 2019) وإعادته للعمل كمدرس في منطقة بني سالم.. وهى الواقعة التى مات على إثرها إسماعيل حلمي.

 

مدير الإدارة.. عبده مشتاق

إذن، نحن أمام جريمة مكتملة الأركان على نفس طريقة قهر اللاعب الراحل أحمد رفعت، وعلى ما يبدو أن عدم محاسبة النائب أحمد دياب المتهم الأول في وفاة أحمد رفعت، أغرت أمثال مدير الإدارة التعليمية في ديرمواس، حسام عبدالعزيز عمر، بالسير على خطى أحمد دياب، لاسيما أنهما زميلان في حزب مستقبل وطن.

والمتتبع لمسيرة حسام عبدالعزيز عمر، سينبهر من شدة حرص الرجل على التسلق والتملق من أجل الوصول للمنصب.

ويمكن تقسيم رحلة حسام عبدالعزيز إلى مراحل زمنية مختلفة، الأولى قبل ثورة 25 يناير 2011، حيث التحق بالحزب الوطني المنحل، أملا في أن يكون من أهل الحظوة والمرضي عنهم من قبل جمال مبارك الذي كان يجهز نفسه للجلوس على كرسي الحكم، قبل أن تطيح ثورة 25 يناير بأحلام جمال وطموحات حسام عبدالعزيز معا.

ومع زوال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وانهيار حلمه بتوريث الحكم لنجله، وبزوغ نجم التيار الإسلامي في مصر، ومع سيطرة التيار على مقاليد الحكم والتشريع في البلاد، غير حسام عبدالعزيز الدفة إلى التيار الرائج وقتها.

ولصعوبة الالتحاق بركب جماعة الإخوان المسلمين في ديرمواس، التحق حسام عبدالعزيز بحزب الوسط القريب من الإخوان والمحسوب على التيار الإسلامي، وكان أمينا للحزب عن دائرة مركز ديرمواس، بل وترشح على قائمة حزب الوسط بمحافظة المنيا.

لكن مرة أخرى تنهار طموحات حسام عبدالعزيز في 30 يونيو 2013، حيث تمت الإطاحة بحكم الإسلاميين في مصر، ليهرب حسام عبدالعزيز إلى خارج مصر لمدة ثلاثة أعوام خوفا من الاعتقال والبطش والتنكيل الذي طال كل من كان له علاقة بالتيار الإسلامي وأحزابه بعد 30 يونيو 2013.

وبعد ثلاثة أعوام، بعد أن هدأت الأمور نسبيا في مصر، عاد حسام عبدالعزيز إلى مصر، وعمل مدرسا للغة عربية بمدرسة الاتحاد الإعدادية ثم بمدرسة التجارة الثانوية.. لكنه لم ينس حلمه وطموحه القديم في السعي نحو المناصب، وكما كان ذكيا ليقرأ المشهد من قبل، كان ذكيا أيضا ليقرأ المشهد مجددا.

هذه المرة، سارع حسام عبدالعزيز إلى الانضمام إلى حزب مستقبل وطن، الذي يعد الظهير السياسي للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والحاكم الفعلي للإدارات المحلية جمعاء في مصر، وهذه المرة كان لحسام عبدالعزيز ما فشل فيه مع الحزب الوطني وحزب الوسط.

بعد الانضمام إلى "مستقبل وطن"، فوجئ الجميع بتعيينه مديرا للإدارة التعليمية في ديرمواس، رغم افتقاره للخبرات متخطيا بذلك زملاء أكبر وأقدم وأكثر خبرة!!

مكث حسام عبدالعزيز عدة أعوام في الإدارة التعليمية، كانت كلها مليئة بالغطرسة والتعالي على المعلمين والعاملين بالإدارة، خاصة مع يقينه بوجود من هو أكفا منه من بينهم، ومع إحساسه بأنه سلب حقا ليس له.

ومع كثرة الشكاوى من المعلمين وكل العاملين بالإدارة التعليمية، لم يجد حزب مستقبل وطن والقائمون عليه مفرا من نقل حسام عبدالعزيز من إدارة ديرمواس التعليمية، إلى إدارة أبو قرقاص التعليمية، لكنه لم يستمر أكثر من عامين، ليعيده حزب مستقبل وطن مجددا إلى إدارة ديرمواس التعليمية، لكن هذه المرة كان شعاره "عاد لينتقم".

ما أن عاد حسام عبدالعزيز إلى إدارة ديرمواس التعليمية، حتى شرع شاهرا سيف الانتقام في وجه الجميع، موظفون وعاملون ومعلمون وموجهون، واضطهد العشرات من المعلمين والمعلمات ونقلهم من أماكنهم ومدارسهم لأتفه الأسباب، وكانت الطامة الكبرى بالتسبب في موت إسماعيل حلمي كمدا وقهرا.

أين نقابة المعلمين؟

كان آخر ضحايا سياسات حسام عبدالعزيز الانتقامية إسماعيل حلمي مدير التعليم الثانوي الاعدادي بإدارة ديرمواس الذي لم يتحمل إهانته أمام جمع كبير من مديري المدارس ومن المعلمين، علما بأن إسماعيل أكبر منه سنا.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل قام في اليوم التالي بإصدار نشرة نقل تقضي بعودته إلى إحدى المدارس للعمل مدرسا، حيث كانت هذه هي القشة التي قصمت ظهره، وشعر بالعجز وسقط مغشيا عليه داخل ديوان الإدارة.

السؤال الأكثر إلحاحا وترددا على ألسنة الجميع في ديرمواس الآن، ولاسيما المعلمون، هو عن موقف نقابة المعلمين مما حصل مع إسماعيل حلمي الذي كان عضوا بنقابة المعلمين بديرمواس.

وتتزايد الاتهامات إلى النقابة بالخوف والانبطاح أمام حسام عبدالعزيز، رهبة من حزب مستقبل وطن الذي انضم له، وحتى الآن لم تتخذ النقابة أي إجراء رغم الثورة العارمة من المعلمين وكل المنتمين لوزارة التعليم بديرمواس.

وقفة للمعلمين لإقالة حسام

ومع ثورة المعلمين على نقابة المعلمين واتهامها بالخوف من بطش حسام عبدالعزيز وحزب مستقبل وطن، لم يجد المعلمون بدا من الإعلان عن موقفهم بشكل أكثر وضوحا، لعله يجد رجلا رشيدا في وزارة التعليم المصرية.

ونظم عشرات المعلمين وقفة احتجاجية أمام مقر النقابة في ديرمواس، للمطالبة بإقالة حسام عبدالعزيز عمر، وبعدها نظموا اجتماعا ليتباحثوا في طرق تصعيد موقفهم لحين تنفيذ مطلبهم بإقاةلة حسام عبدالعزيز عمر.

 

فهل ستجد مطالب المعلمين في ديرمواس من يصغي لها ويحقق جزءا من عدالة غائبة؟ أم سيكون مصير العدالة هنا هو نفس مصير العدالة في قضية أحمد رفعت، وسينعم حسام عبدالعزيز عمر بمثل ما نعم به أحمد دياب قائده في حزب مستقبل وطن؟!

التعليقات (0)