- ℃ 11 تركيا
- 24 ديسمبر 2024
نزار بولحية يكتب: هل ينجح المغرب في تحييد حلفاء الجزائر؟
نزار بولحية يكتب: هل ينجح المغرب في تحييد حلفاء الجزائر؟
- 12 يوليو 2023, 4:44:30 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
المهمة ليست سهلة، لكن هل تبدو مستحيلة؟ في ظل السباق الدبلوماسي المشحون بين البلدين المغاربيين لكسب الحلفاء والأنصار، في أعقد نزاع يفرق بينهما منذ ما يقرب من نصف قرن، أي نزاع الصحراء، تبدو كل الفرضيات ممكنة، بعد أن باتت بعض الفصول مكشوفة، فما أن يطير وزير من هذا البلد إلى دولة معلنا منها عن موقف قد يفسر على أنه تأييد لوجهة نظره من تلك القضية، حتى يسارع أياما قليلة بعدها نظيره في الجارة الأخرى للوصول إلى الدولة نفسها معلنا منها بدوره عن موقف على النقيض منه تماما. وإن كان ذلك ما يظهر على السطح فهل يحتد من وراء الكواليس سباق آخر أقوى وأشد منه؟
لعل كثيرين تساءلوا عن السبب الذي دفع وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف إلى أن يطير الأسبوع الماضي إلى طهران، وربطوا بين تلك الزيارة المفاجئة للمسؤول الجزائري، وتصريح نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ثاني أيام العيد، أمام مجموعة من الدبلوماسيين، عبر فيه عن ترحيب بلاده «بتطبيع وتطوير العلاقات مع دول المنطقة والعالم بما فيها المغرب»، معتبرين أن الهدف الأساسي الذي سعى عطاف إلى تحقيقه في العاصمة الإيرانية، التي وصلها ساعات قليلة فقط بعد ذلك التصريح هو قطع الطريق أمام أي محاولة من الحليف الإيراني للتقارب مع الجار المغربي، ما قد يعني إعادة تشكيل المقاربات، أو السياسات الإيرانية في المنطقة المغاربية.
يعتبر البعض أن الهدف الأساسي الذي سعى عطاف إلى تحقيقه في طهران، هو قطع الطريق أمام أي محاولة من الحليف الإيراني للتقارب مع الجار المغربي
ومع أن الربط بين الحدثين قد لا يبدو مؤكدا في نظر الجزائريين، إلا أن الإيرانيين استطاعوا، وعلى أي حال، وتقريبا من لا شيء وبمجرد تصريح أطلقه رئيس دبلوماسيتهم، أو ما اعتبرناه الأسبوع الماضي بالون اختبار تجريبي أرسلوه نحو الرباط، أن يحصدوا بعض المكاسب، لكن ليس من المغرب كما كان مفترضا، بل من الجزائر. وهنا كان عطاف حريصا جدا على التأكيد في أعقاب لقائه مع نظيره الإيراني على أن المحادثات بينهما أفضت إلى «نتائج إيجابية وعملية تهدف في مجملها إلى إضفاء حيوية كبيرة وزخم أكبر على العلاقات الثنائية»، قبل أن يشدد على أنهما تناولا عديد الملفات «المهمة» والمواضيع «البارزة» على غرار «الأزمة الراهنة في العلاقات الدولية، وقضايا تصفية الاستعمار، لاسيما في فلسطين والصحراء الغربية…». ورغم أن مضمون الرسالة الشفوية التي نقلها من الرئيس الجزائري إلى الرئيس الإيراني ظل غامضا ومجهولا، إلا أن ما أشار إليه بيان الخارجية الجزائرية حول تلك المقابلة من تطلع الرئيس إبراهيم رئيسي إلى «تكثيف التواصل والعمل مع الرئيس تبون لتجسيد ما يحدوهما من حرص مشترك وطموح متبادل في الارتقاء بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة»، يشير بوضوح إلى أن الإيرانيين ليسوا مستعدين لأن يعطوا الجزائريين صكا على بياض، حتى لو تقاطعت سياساتهم أو توجهاتهم معهم في بعض المسائل أو القضايا الإقليمية أو الدولية، وأنهم قد يراجعون مواقفهم من بعض الملفات بما فيها الملف الصحراوي، الذي كان السبب المباشر في قطيعتهم الأخيرة مع المغرب، إن لم يحصلوا من ورائه على مكاسب، أو عوائد اقتصادية بالدرجة الأولى. لكن هل يعني ذلك انهم بدؤوا بابتزاز الجزائر؟ إن الأخطر من ذلك هو أن التصرف الإيراني الأخير قد يلقي ظلاله الكثيفة لا على العلاقات الثنائية بين البلدين فحسب، بل على علاقة الجزائر بباقي حلفائها وشركائها السياسيين في مناطق مختلفة من العالم أيضا. ولعل هذا ما تتحسب له الجزائر جيدا، فما الذي يمنع الكوبيين أو الفنزويليين أو الجنوب افريقيين، من أن يقتدوا غدا بالإيرانيين ويطلقوا بدورهم بالونات اختبار وهمية، أو حقيقية نحو الرباط لا لشيء إلا ليعرفوا على الأقل ردة فعل الجزائر تجاه ذلك؟ إن البعض قد يرد بأن قناعاتهم ومبادئهم هي التي تمنعهم من التصرف على ذلك النحو، لكن من يصدق أن القناعات والمبادئ على أهميتها وعظمتها هي التي تحرك الدول اليوم؟ لقد كان من الصعب جدا على المغاربة قبل سنوات قليلة فقط أن يقنعوا واشنطن ومدريد وباريس وعواصم أخرى في الشرق والغرب، بأن تدعم مقترحهم بالحكم الذاتي للصحراء، لكنهم تمكنوا في النهاية من الحصول على ذلك، رغم كل ما قد يقال بشأنه. والسؤال الآن هو، هل سينجحون في المرحلة المقبلة في اختراق العواصم المعروفة تقليديا بتأييدها للموقف الجزائري من النزاع، على غرار بريتوريا وهافانا وكاركاس؟ ظاهريا لا يبدو أنهم يركزون تحركاتهم بشكل مباشر أو مكثف على تلك الجبهة بالذات، غير أن ذلك قد لا يعني أنهم أسقطوها تماما من حساباتهم. فهم يدركون جيدا أن التطورات التي تشهدها الساحة الدولية والتغيرات حتى المحدودة التي تحصل داخل تلك الدول والخط الجديد، الذي اعتمدوه في السنوات الأخيرة من خلال التخلي عن سياسة الكرسي الشاغر التي انتهجوها في السابق ولعدة عقود، ردا على مواقف الدول الداعمة للبوليساريو، كل ذلك قد يفتح الباب في النهاية أمامهم على كل الاحتمالات. ولعل إعادة الرباط مثلا وقبل خمس سنوات لعلاقتها مع كوبا، بعد قطيعة دامت أربعين عاما، كانت أوضح دليل على رغبتها في اختراق مجال كان محسوبا على أنه معاد لها. وهذا ما عبر بيان خارجيتها الذي صدر في ذلك الوقت، ولو بشكل غير مباشر، حين أكد أن قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا «يندرج في إطار تنفيذ التوجهات الملكية من أجل دبلوماسية استباقية ومنفتحة على شركاء ومجالات جغرافية جديدة». ولعل البعض قد يقلل من أهمية ذلك ويقول، إن إعادة المغرب لعلاقاته مع كوبا وقبلها مع جنوب افريقيا لم يدفع البلدين لأن يراجعا جذريا موقفهما المعروف من الملف الصحراوي، بل زاد من تصلبهما وتمسكهما بمواقفهما من النزاع، غير أن رفع السقف عاليا وانتظار حدوث تغييرات راديكالية مفاجئة من جانب تلك الدول في ظل بقاء نمط حكمها وخطها السياسي على حاله، لا يبدو واقعيا بالمرة. ومع أنه سيكون على المغاربة أن ينتظروا على الأرجح وقتا قد يطول وقد يقصر قبل أن يختفي مادورو من فنزويلا وميغيل دياز كانيل من كوبا وسيريل رامافوزا من جنوب افريقيا، ويغادروا نهائيا الساحة السياسية وتصعد في المقابل إلى سدة الحكم في تلك الدول قيادات أو أحزاب بديلة، تملك توجهات ومقاربات مختلفة ومناقضة لسابقاتها، إلا أن ذلك لا يعني أن عليهم أن يبقوا مكتوفي الأيدي قبل أن يتحقق لهم ذلك، فوجودهم الدبلوماسي في دول مثل كوبا وجنوب افريقيا قد يفيدهم على المدى المتوسط والبعيد، وقد يساعدهم على بسط مواقفهم وتوضيحها، ويدفع تلك البلدان إلى اعتماد خط معتدل ومحايد في تعاملها مع المسألة الصحراوية، بدل الانحياز التقليدي الذي عرفت به للموقف الجزائري. كما أن تعجلهم لقطف الثمار مبكرا قد يعطي مفعولا عكسيا مثلما أن ترددهم أو تأخرهم قد يبعدهم من هدفهم. ولأجل ذلك فإن الموازنة جيدا بين الأمرين، وإعطاء الوقت للوقت، كما كان يقول الرئيس الفرنسي السابق ميتران قد تكون ضرورية.
كاتب وصحافي من تونس