محمد قدري حلاوة يكتب : تعادل

profile
محمد قدري حلاوة قاص واديب مصري
  • clock 15 مايو 2021, 7:09:04 م
  • eye 859
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

(تعادل)
ساعة من الزمن وتنطلق المباراة الحاسمة بين الزمالك والأهلي..إجراءات الإغلاق المبكر بسبب كورونا لن تمنع من مشاهدة المباراة مع الأصدقاء على المقهى ..

 إن كان القانون يفرض هيبته.. فللعرف سطوة تفوق القانون أحيانا.. و " مقهى جابر" فوق العرف والقانون في كل الأحوال..
" جابر".. شاب في مقتبل الأربعينات من عمره.. ضخم الجسد.. عريض الكتفين.. وجهه مكلل بشارب كث ولحية مشذبة بدقة..

يخطان سوادهما المشوب بالبياض وسط آثار بثور قديمة حفرت آثارها على صفحة وجهه مخلدة ذكرى مرور مرض قديم...

دائم الحركة والصياح..حريص، على إرتداء ملابس ضيقة تبرز عضلاته المنتفخة.. قليلا ما يجلس على طاولته المنزوية في أحد أركان المقهى.. 

" جابر" لا يبدو عليه أنه سمع " بالكورونا" وإجراءتها الإحترازية المصاحبة.. يقولون أنه صديق " الحكومة".. 

البعض يتحدث عنه على أنه " مرشد" ويستدل على ذلك بتكرار جلوسه مع الأمناء والمخبرين.. 

والبعض الآخر يرى إنها علاقة منافع ومصالح متبادلة فقط.. هو لا يبخل بالمعلومة أو بالمال.. وهم يقدرون له ذلك ويغضون الطرف عن مخالفاته..

 مخالفات " جابر" متعدده في الحقيقة.. الفتح بعد مواعيد الإغلاق.. الضرب بالإجراءات الإحترازية عرض الحائط.. 

لعل غلالات وسحابات دخان الشيشة الكثيفة البيضاء وإزدحام الرواد تفضحان ذلك..
التاسعة والنصف مساء.. الشاشات الضخمة المنتشرة في المقهى تعلن بداية مباراة الزمالك والأهلي..

 مشجعو كل فريق متجمعين في ركن من الأركان.. صرخات حسرة على كرة " شيكابالا" الضائعة..

 اللعنات تنصب على رأس " الشحات" الذي أضاع إنفرادا مثيرا.. تنتهي أحداث الشوط الأول بالتعادل السلبي..
" رضا" صبي القهوة يتوقف فجأة وهو ما يزال يهز " مجمرة" الفحم المشتعل بيده..

يضغط على أزرار التحكم متنقلا بين القنوات.. يتوقف عند قناة " الجزيرة ".. 

الشاشة مقسمة أربعة أقسام وشريط الأحمر العاجل يواصل بث الأنباء والأحداث المتسارعة.. 

هبة شعبية فلسطينية إعتراضا على مصادرة منازل أهالي في " حي الشيخ جراح".. 

تسمرت الأعين لبضعة لحظات ثم تعالت صيحات الإحتجاج.. " هات الماتش يا عم رضا.. الشوط التاني بدأ "..
_ بعد مضى ساعتين _
" قصف حي الآن على مواقع في خان يونس.. هناك حيث تتصاعد أعمدة الدخان الأسود كالفطر".. يقول المراسل..

 ترى هل تلك المشاهد الحية والمباشرة التي نشاهدها الآن نعمة أم نقمة؟.. التقنية والحداثة مكنتنا من هكذا متابعة.. 

لكنها في الوقت ذاته ألقتنا في إعتصار دوامة سحق الإعتياد.. عندما تعتاد رؤية مشاهد القصف والدمار والدماء والأشلاء تصبح سيرورة حياة في الحقيقة ومكونا من مكونات الواقع..

 تتبلد المشاعر... تتجمد.. لا تعد تلك المشاهد تثير الغضب والنقمة.. " هناك نقص حاد في المواد والأسرة الطبية نتيجة الحصار المفروض على القطاع"..

 يضيف المراسل.. ما الجديد في الأمر؟.. هل تشعر بالإنزعاج والحنق لمشاهد الدماء وصرخات الجرحى؟.. 

عاجل تمحو عاجل سابقة تتلوها عاجل لاحقة.. يمكنك أن تدير المؤشر لبعض الوقت لن يفوتك الشئ الكثير..

 فقط عداد الضحايا والجرحي يصعد للأعلى.. لن تنتهي القضية ولن تحل في تقلبك هذا.. هي مستمرة منذ عقود وستستمر لعقود أخرى..
تلك التصريحات المتماهية التي تطالب بضبط النفس والتهدئة بين الطرفين.. تهويمات السلام بين أحفاد " إبراهيم"..

 من المعتدي؟.. من المغتصب؟.. من السارق؟.. تلك المحددات والإشارات الصارخة الضائعة والمشوهة والمسكوت عنها عمدا في كل حادث وحديث..
المباراة إنتهت بالتعادل الإيجابي هدف لكل فريق.. يمكن لجموع المشجعين متابعة البث الحي المباشر للأحداث الملتهبة في الأرض المحتلة في منازلهم أثناء تناولهم طعام السحور _ بعد مشاهدة الأستوديوهات التحليلية للمباراة بالطبع _.. والدعاء مع الشيخ باكر في صلاة القيام بأن يهلك الله أعدائنا.. ولكن حقا .. ما هو فارق النقاط الآن بين الزمالك والأهلي؟..

التعليقات (0)