قطب العربي يكتب : جمال الجمل..المثقف الحركي..آن للقيد أن ينكسر.

profile
قطب العربي كاتب صحفي
  • clock 7 مايو 2021, 7:14:41 م
  • eye 827
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

هو أحد أيقونات السجون المصرية حاليا كما كان أحد أيقونات الكتابة الصحفية قبل محبسه،

 هو في منتصف الستينات من عمره ولكن ذلك لم يشفع له عند نظام لا يعرف للكبير قدرا ولا للصغير عذرا،

 هو مناضل يأبى الكسر، وهو مثقف يأبى حياة الحظيرة، كما يأبى الرهبنة الثقافية، ويصر على ترجمة أفكاره إلى حركة على الأرض،

 هو إذن ينتمي لفئة المثقفين الحركيين الذين يجمعون بن الفكر والحركة، من أبرز مؤسسيها محمود أمين العالم، وسيد قطب وعادل حسين، 

وعصمت سيف الدولة، ومن أبرز رموزها الحاليين د محمد سليم العوا، ومحمد عصمت سيف الدولة، ومجدي حسين، وحسن نافعة،

 وسيف عبد الفتاح، وحازم حسني، هؤلاء الذين لم يحصروا انفسهم في صوامع العلم والفكر، رغم انتاجهم الغزير، 

لكنهم قرروا الاشتباك مع الواقع تطبيقا لأفكارهم وأحلامهم، فأسسوا حركات سياسية وترشحوا لانتخابات عامة، صحيح أن جمال الجمل لم يؤسس حزبا او حركة،

 وصحيح انه فضل في سنواته الأخيرة التحرر من الالتزامات الحزبية بعد ان كان جزءا من حركة سياسية في السبعينات والثمانينات،

 لكنه مع ذلك لم يستطع ان ينفصل عن القضايا الكبرى التي يمر بها الوطن والتي رأى أن غيابه عنها يمثل خيانة وطنية مثل التفريط في جزيرتي تيران وصنافير،

 حيث لم يعد يقتصر على الكتابة عنهما ولكنه تجاوز ذلك إلى التحرك فأنشأ مجموعة فيسبوكية كبيرة بعنوان لن نفرط، 

سعى من خلالها لتجميع كل المتفقين على هذه القضية لتوحيد جهودهم وتوجيه حركتهم، 

وقد دعا عبرها لوقفة في ميدان التحرير بالتزامن مع مناقشة برلمان السيسي لاتفاقية تسليم الجزيرتين للسعودية، وذهب ونفر من أصدقائه إلى الميدان حيث التقطتهم قوات الشرطة قبل أن تكبر كر الثلج.

خرج جمال من مصر حين يئس من أي حراك داخلها بسبب البطش الأمني الشديد الذي رفع تكلفة التظاهر إلى حد القتل مباشرة كما حدث مع الكثيرين وأبرزهم شيماء الصباغ التي قتلت وهي تحمل في يدها باقة ورد، لم يكن خارجا من بلده قاصدا السياحة ولكنه قصد الانتقال إلى مكان آخر يستطيع فيه استكمال نضاله،

 ولكن ضغوط الغربة كانت أقوى منه فلم يستطع عليها صبرا، وقرر العودة إلى مصر وليكن ما يكون.

كنت من أواخر إن لم أـكن آخر من تواصل معه قبل مغادرته إسطنبول،

 بعد انقطاع عن التواصل لفترة طويلة، كان هو قد ترك إسطنبول المدينة على إحدى قراها النائية، 

بحثا عن هدوء يناسب طبيعته الشاعرية الحالمة، لم يكن هلال هذه "الخلوة الريفية" يرد على هاتفه، 

حتى أنني ظننت أنه ربما غادر تركيا إلى إحدى الدول الأوربية حيث حدثني من قبل كثيرا عن المدن الأمنة عبر العالم، وأنه كان يفكر في الانتقال إلى إحداها، لأنه لم يكن ينسجم كثيرا مع إسطنبول بحكم خلفيته القومية العربية التي تحتفظ بذكريات سلبية عن تاريخ العلاقات العربية التركية،

 وقبيل مغادرته اسطنبول إلى القاهرة بأيام قليلة فوجئت باتصال منه، تحدثنا طويلا عن غيابه وعن مرضه وعن معيشته،

 وكنا بصدد البحث عن فرص عمل أكثر قبولا له في ظل ساحة عمل ضيقة ومزدحمة، ولا تناسب الكبار،

 ولم يكد يمر أسبوع أو اقل حتى تتالت الأخبار عن وصوله إلى مطار القاهرة والقبض عليه واختفائه من يسوم 22 فبراير 2021،

 ثم ظهوره في نيابة أمن الدولة بعد حوالي أسبوع، والتي أمرت بحبسه وتوالت قراراتها لاحقا بتجديد حبسه احتياطيا على ذمة "الولا حاجة".

لم يكن جمال الجمل قد ارتكب جرما يعاقب عليه القانون حتى يتم القبض عليه وحبسه احتياطيا،

 ومن قم إيداعه الحبس وهو المسن المتعدد الأمراض، الذي يحتاج إلى رعاية طبية خاصة لا تتوفر في تلك السجون رغم الصور المبهجة التي تحرص مصلحة السجون على تصديرها عبر زيارات إعلامية مقننة،

 لكن من الواضح أن جمال يدفع ضريبة فضح لإعلام العباسيين، وهي التعبير الذي كان صاحبه حصريا، 

والمقصود طبعا الإعلام الموجه من اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي خلال رئاسته للمخابرات الحربية ثم بعد وصوله إلى قصر الاتحادية، وبعد ذلك مدير المخابرات الحربية ثم المخابرات العامة،

 وفي كل المراحل كان هو ورجاله من يديرون الإعلام المصري، ويحولونه إلى منابر دعاية، 

ويعتقلون أصحاب الرأي الحر فيه، ويتسببون في انهياره ما جعل مصر تحتل المرتبة 166 على مؤشر حرية الصحافة العالمي،

 ولتستقر بذلك في المنطقة السوداء منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن.

كم كانت النصائح كثيرة لجمال بعدم العودة إلى القاهرة تحذيرا من المصير الذي ينتظره، ولكنه حسم أمره،

 وأصر على مواجهة هذا المصير بكل شجاعة، وها هو الآن يعيش في زنزانة ليس من الصعب التنبؤ بحالتها المزرية،

 بينما هو في مسيس الحاجة للراحة والعلاج، والعيش بين عائلته، وكم كنا نتوق للإفراج عنه ضمن المجموعة التي أفرج النظام عنها من الصحفيين،

 ولا زال الأمل يحدونا أن يكون عيده في بيته وسط عائلته.

التعليقات (0)