- ℃ 11 تركيا
- 25 ديسمبر 2024
قرارات محافظة: ما دلالات وتداعيات أحكام المحكمة العليا الأمريكية المثيرة للجدل؟
قرارات محافظة: ما دلالات وتداعيات أحكام المحكمة العليا الأمريكية المثيرة للجدل؟
- 9 يوليو 2023, 5:55:48 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
كان لقرارات المحكمة العليا الأمريكية – التي تعد أعلى هيئة قضائية في البلاد – تأثيرات على حياة الأمريكيين تاريخياً، وهي التأثيرات التي قد تستمر لعقود طويلة؛ فهي صاحبة القرار النهائي في القضايا القانونية الأساسية، كالإجهاض والتمييز العرقي وزواج المثليين وعقوبة الإعدام. ومع هيمنة المحافظين على المحكمة العليا، التي تضم 9 قضاة، بستة أصوات بعد تعيين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ثلاثة قضاة محافظين خلال فترته الرئاسية، مقابل ثلاثة قضاة ليبراليين، أصدرت المحكمة مؤخراً العديد من الأحكام التي تلغي سياسات ليبرالية مطبقة منذ عقود. وقد كان ذلك متوقعاً مع إلغاء حق النساء في الإجهاض في يونيو من العام الماضي.
قرارات مثيرة للجدل
أصدرت المحكمة العليا الأمريكية خلال عام (من يونيو 2022 إلى يونيو 2023) العديد من القرارات المثيرة للجدل، وهي القرارات التي ساهمت في زيادة حدة الانقسام الحزبي والسياسي المحتدم في الوقت الراهن بالولايات المتحدة. وتتمثل أبرز القرارات المثيرة للجدل التي أصدرها القضاة المحافظون الستة بالمحكمة فيما يلي:
1- إلغاء خطة الرئيس بايدن لتخفيض قروض الطلاب: ألغى قرار المحكمة العليا الأمريكية في 30 يونيو الماضي برنامج الرئيس جو بايدن الذي أعلنه في أغسطس 2022 لشطب ما يصل إلى 20 ألف دولار من الديون الطالبية لمن ينتمون إلى طبقات محدودة أو متوسطة الدخل، بقيمة إجمالية بلغت 400 مليار دولار. وقد بررت المحكمة قرارها بأن الرئيس الأمريكي تجاوز صلاحياته، وكان عليه الحصول على موافقة الكونجرس نظراً إلى التكلفة المالية الباهظة لبرنامجه على خزينة الدولة الأمريكية. وقد منع قرار المحكمة العليا أكثر من 40 مليون أمريكي عليهم عبء ديون طلابية بقيمة 1.6 تريليون دولار، من الحصول على إعفاء من القروض، وهو ما جعل الرئيس غير قادر على تحقيق أحد وعوده الرئيسية في حملته الانتخابية لعام 2020.
2- وقف التمييز الإيجابي لقبول الأقليات بالجامعات: حظرت المحكمة العليا في 29 يونيو الفائت اعتماد معايير على صلة بالعرق أو الإثنية لقبول الطلاب في الجامعات، وقد كانت تلك المعايير مطبقة منذ عقود؛ لتعزيز الفرص التعليمية للأمريكيين من أصول أفريقية ولأقليات أخرى؛ لكونه ينطوي على تمييز غير دستوري ضد الآخرين، ولرؤيتهم أن الاختيار بشكل أساسي بناءً على لون البشرة ينطوي في ذاته على تمييز، وهو ما يتعارض مع الدستور الأمريكي وفقاً لقرار المحكمة.
ويلقى حكم المحكمة العليا بشأن تقييد استخدام العرق عاملاً في القبول بالجامعات، تأييداً من غالبية الأمريكيين؛ فقد أظهرت نتائج استطلاع إيبسوس وشبكة إيه بي سي الإخبارية خلال الفترة من 30 يونيو إلى 1 يوليو موافقة 52% من الأمريكيين على قرار المحكمة، بينما يعارضه 32%. وترتفع نسب الموافقة بين الجمهوريين؛ حيث يؤيده 75% من المنتمين إلى الحزب الجمهوري، و58% بين المستقلين، بينما تتراجع نسب الموافقة بين الديمقراطيين، التي وصلت إلى 26%.
3- رفض تغيير مجالس الولايات لقوانين الانتخابات: قضت المحكمة العليا الأمريكية في 27 يونيو الفائت بأن المجالس التشريعية للولايات لا تمتلك سلطة مطلقة في اتخاذ قرارات تتعلق بقوانين الاقتراع؛ وذلك في قضية تحظى باهتمام شديد داخل الولايات المتحدة، في ظل اعتقاد قطاع من الأمريكيين بأن الانتخابات الرئاسية لعام 2020 شابها تزوير. وسيكون لقرار المحكمة انعكاسات كبيرة على الانتخابات الفيدرالية القادمة؛ فقد رفضت المحكمة ما تسمى نظرية “استقلالية المجلس التشريعي للولاية”، التي كانت تمنحه سلطة مطلقة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالانتخابات.
4- تأييد رفض تقديم الخدمات للمثليين: قضت المحكمة العليا الأمريكية في 30 يونيو الماضي بأن الشركات يمكن أن ترفض خدمة الأزواج المثليين إذا كان ذلك ينتهك المعتقدات الدينية للمالكين؛ حيث حكمت المحكمة لصالح مصممة الجرافيك لوري سميث التي رفضت تصميم موقع على الإنترنت لزوجين مثليين لأسباب دينية. وقد رفعت لوري سميث دعوى في المحكمة العليا ضد الحكومة كي لا تُعاقَب بموجب قانون مناهضة التمييز. وقالت المحكمة إن المصممة لها حق وفقاً للتعديل الأول من الدستور الأمريكي في رفض تصميم مواقع زفاف مخصصة للأزواج المثليين.
5- إنهاء حق النساء في الإجهاض بجميع الولايات: ألغت المحكمة العليا الأمريكية في يونيو 2022 قراراً تاريخياً كان يكفل للنساء منذ عام 1973 حق الإجهاض في جميع أنحاء الولايات المتحدة. ومنذ إنهاء حكم “رو ضد وايد”، أضحت لكل ولاية الحق في سن القوانين التي تراها مناسبة بشأن الإجهاض. وقد قررت نحو 20 ولاية حظر الإجهاض بعد أسابيع قليلة من الحمل.
انعكاسات عديدة
مما لا شك فيه أن قرارات المحكمة العليا الأمريكية التي أصدرتها مؤخراً سيكون لها العديد من التداعيات على المحكمة ذاتها، وعلى الانتخابات الرئاسية القادمة، وتتمثل أبرز تلك التداعيات فيما يلي:
1- عقد جلسات استماع بشأن أخلاقيات القضاة: دفعت قرارات المحكمة العليا الأمريكية التي أنهت سياسات ليبرالية مترسخة منذ عقود، المشرعين الديمقراطيون الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ الأمريكي في أعقاب انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أُجريت في نوفمبر 2022، لاستهداف المحكمة وقضاتها؛ فقد بدأت اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ جلسات استماع حول أخلاقيات القضاة بعد جدل طال قاضيين محافظين، قبِل أحدهما (كلارنس توماس) هبة من رجل أعمال من دون الإعلان عنها، بما في ذلك رحلات طيران خاصة أو رحلات بحرية على متن يخت ضخم من الملياردير الجمهوري هارلن كرو. بينما باع القاضي المحافظ نيل جورسوش مباشرةً بعد التصديق على تعيينه في المحكمة العليا، في عام 2017، عقاراً كبيراً في كولورادو إلى المدير التنفيذي لشركة محاماة تترافع بانتظام في قضايا أمام المحكمة العليا.
2- تراجع شعبية المحكمة العليا بين الأمريكيين: تُظهر استطلاعات الرأي العام الأمريكية تراجع شعبية المحكمة بين الأمريكيين، وارتفاع نسب من يرون أنها تؤدي وظائفها بشكل سيئ وأن قراراتها مسيسة. فوفق استطلاع إيبسوس وشبكة إيه بي سي الإخبارية – السابق الإشارة إليه – فقد رأي 53% من الأمريكيين أن أحكام قضاة المحكمة تنطلق من آرائهم السياسية الحزبية، وليس على أساس القانون. وقد أظهرت نتائج استطلاع لمؤسسة جالوب لعام 2022 انخفاض ثقة الأمريكيين بالمحكمة بشكل حاد؛ حيث يقول 25% من الأمريكيين إن لديهم قدراً كبيراً من الثقة بالمحكمة العليا، بانخفاض عن 36% خلال عام 2021 وأقل بخمس نقاط مئوية من أدنى مستوى سابق مسجل في عام 2014. ووفقاً لتقرير لشبكة سي إن إن في 23 مايو الفائت، فقد انخفضت موافقة الأمريكيين على المحكمة العليا منذ بداية العام، والتي وصلت إلى 41%. وهناك انقسام شديد بين الجمهوريين والديمقراطيين حول المحكمة؛ حيث ترتفع النسبة بين الجمهوريين إلى 60%، بينما تُقدر النسبة بين الديمقراطيين بنحو 24%.
3- الضغط على المحكمة لاعتماد مدونة الأخلاقيات: يستغل عدد من مشرعي الكونجرس الأمريكي اتهام القاضي كلارنس توماس بتلقي هدايا من رجل أعمال جمهوري للضغط لاعتماد مدونة سلوك رسمية تنطبق على قضاة المحكمة العليا كتلك التي تطبق على قضاة المحاكم الفيدرالية الأدنى. وسبق أن أخبرت القاضية إيلينا كاجان الكونجرس في مايو 2019 بأن رئيس المحكمة جون روبرتس بصدد وضع مدونة أخلاقية رسمية للقضاة. وقد يدفع تراجع شعبية المحكمة بين الأمريكيين والانتقادات لقضاة المحكمة، المشرعون الديمقراطيون بالكونجرس لتقديم تشريع من شأنه إنشاء مدونة أخلاقية لقضاة المحكمة العليا، بعد فشلهم في تمرير مشروع قانون مماثل في العام الماضي.
4- التأثير على فرص بايدن في الانتخابات المقبلة: سيكون لقرار المحكمة العليا بإلغاء خطة بايدن لإعفاء الطلاب من القروض، التي كانت قضية سياسية رئيسية أعلنها بايدن في أغسطس 2022، آثار كبيرة على الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ فرغم أن قرار المحكمة يؤثر بالسلب على ميزانيات الأسرة، التي سيزداد الضغط عليها نتيجة استئناف مدفوعات قروض الطلاب، فإن الرئيس وأنصاره، وكذلك الناخبون الديمقراطيون الذين يتطلعون إلى الإعفاء من قروض الطلاب قد يلقون باللوم على قرار المحكمة.
جدير بالذكر أن هذه القضية تهم الكتل الديمقراطية الرئيسية؛ حيث يعتقد غالبية الأمريكيين (64%) أن ديون قروض الطلاب مشكلة خطيرة للغاية أو خطيرة إلى حد ما، بما في ذلك 56% من ناخبي بايدن و51% من الديمقراطيين الذين يعتقدون أنها مشكلة خطيرة للغاية. بينما ترى تحليلات أن التكاليف الاقتصادية لفشل خطة بايدن لتخفيف قروض الطلاب قد تؤثر على فرص بايدن الانتخابية في نوفمبر من العام القادم، لا سيما مع ارتفاع الرؤية السلبية بين الأمريكيين لطريقة تعامل بايدن من الأزمات الاقتصادية الأمريكية.
تعميق الانقسام
خلاصة القول: تعمق قرارات المحكمة العليا الأمريكية من حالة الانقسام السياسي والحزبي المحتدمة داخل الولايات المتحدة بالوقت الراهن، خاصةً مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية التي ستجري في نوفمبر من العام القادم، لا سيما مع توقع إصدار المحكمة قرارات محافظة تنهي سياسات ليبرالية مستقرة منذ عقود، وتزايد التشكيك في استقلالية قراراتها، بعد توجيه اتهامات للمحكمة بتسييسها، وتزايد نسب الأمريكيين الذي يرون أن قضاة المحكمة يتخذون قراراتهم على أسس أيديولوجية، خاصةً القضايا التي تستحوذ على انتباه الأمريكيين.